في العراق تتعاظم ظاهرة السكن العشوائي في المدن الرئيسية بمعدلات قياسية وخاصة في بغداد والبصرة وتشمل المناطق الواقعة ضمن الحدود الادارية للمحافظات المذكورة اي ضمن التصميم الاساسي المخطط لها وتتخذ هذه المساكن بطبيعة انشائها العشوائي اشكالا هندسية غير منسجمة من حيث التصميم والمساحات وبدون موافقات قانونية للسيطرة على الاملاك العامة وبدرجة اقل الخاصة ولكنها تفتقر الى ابسط الخدمات الاساسية التي يحتاجها البشر.
وتشير المعطيات التي توفرها وزارة التخطيط وغيرها من المصادر البحثية ان مجموع العشوائيات في عموم العراق (3687) ضمن مواصفات رديئة وخاصة في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء باستثناء اقليم كردستان ومحافظات الانبار وصلاح الدين وان (522) الف مسكن يأوي ثلاثة ملايين وثلاثمائة الف نسمة يشكلون 16 في المائة من مجموع سكان العراق الذي يقدر ب 37 مليون نسمة وان 88 في المائة منها تعود ملكيتها للدولة و 12 في المائة يعد تجاوزا على ملكيات خاصة مع العلم ان العراق بحاجة الى مليونين وخمسمائة وحدة سكنية.
والحقيقة ان ظاهرة العشوائيات لم تظهر من تلقاء نفسها وانما لا سباب ودواع مباشرة وغير مباشرة ففي بغداد وبعد ان اقر قانون التصميم الاساسي لمدينة بغداد رقم 156 لسنة 1971 اتخذت الحكومة العراقية آنذاك اجراءات مشددة لمنع التجاوز على ذلك التصميم منعت بموجبها السكن في بغداد لمن لم يكن مسجلا في سجلات الاحصاء السكاني لعام 1957.
بيد ان الانفلات في السكن العشوائي قد تفاقم بعد عام 2003 بسبب توافر اوضاع ومناخات جديدة ساهمت بظهور احياء سكنية في مدينة بغداد وأطرافها غير ابهة لا بالتصميم الاساسي للمدينة ولا بملكية الاراضي التي تم التجاوز عليها ومن بين هذه الاسباب واكثرها فاعلية وغرائبية ظهور مافيات سياسية نافذة في توظيف هذه الظروف في عملية تجميع هؤلاء وادارة هذه العشوائيات لتكون قاعدة انتخابية تمكنهم من القفز الى قمة السلطة بمزاعم اغرائية كاذبة لا تملك اية صلاحيات تسمح بالتجاوز على ملكيات الدولة ودون الاكتراث بتداعيات هذا السكن العشوائي ونشير الى مثال واحد من بين مئات الامثلة وهو تشجيع مجاميع سكانية للسكن في المنطقة المخصصة لمشروع مجرى الخنساء في منطقة البلديات مما ترتب عليه تعطيل ذلك المشروع الذي يكاد ينهي واحدة من اشد الازمات البلدية التي تعاني منها مدينة بغداد وهناك عوامل اخرى بالطبع لعل اهمها البحث عن اسواق العمل بسبب تنامي ظاهرة البطالة وتدهور اوضاع الريف فضلا عن النزوح الناتج عن تدهور الاوضاع الامنية نتيجة للحرب الطائفية التي اشعلها امراء الحرب الذين يتربعون بعضهم على عرش السلطة، وما ترتب على كل ذلك من تداعيات معروفة اقترنت بتراجع الرقابة الحكومية .
ان هذه المشكلة وافرازاتها الاجتماعية والاقتصادية والامنية تتطلب من الحكومة ان تتابع بجدية منهجها وخططها ومعالجة هذه الظاهرة بصورة جذرية دون تردد مهما كانت التحديات ونقترح في هذا المجال ما يلي:
وضع استراتيجية علمية متوسطة وبعيدة المدى لمعالجة الظاهرة والاثار الناجمة عنها بأبعادها المختلفة من خلال اقامة مجمعات سكنية خارج المدن الرئيسية واطئة الكلفة قريبة من المناطق الزراعية دون ان تتجاوز عليها، ومن المدن الصناعية اسهاما في حل مشكلة السكن وانهاء ازمة البطالة وخاصة في صفوف الشباب.
التنسيق بين الوزارات ذات العلاقة بتنفيذ الاستراتيجية المنوه عنها وهي وزارات التخطيط والاسكان والاعمار والبلديات والتربية والداخلية والمالية وتشكيل لجنة عليا من هذه الوزارات لمتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية وتقديم تقاريرها الى الحكومة تتضمن نسب الانجاز والاستعانة بمعالجة العقد التي تواجه التنفيذ. ووضع التخصيصات المالية في الموازنات السنوية التي تتطلبها.
ضرورة وضع المقاربات التي تسهل التنسيق في التشريعات بين متطلبات المدن الجديدة وقوانين المدن الصناعية والقوانين الزراعية بما تسهل اقامة مراكز التدريب للشباب وتهيئتهم للعمل في المنشئات الصناعية والزراعية في القطاعين العام والخاص، فضلا عن اقامة مراكز ثقافية تتولى تطوير الاهتمامات المعرفية والابداعية للشباب.

عرض مقالات: