شاهدت ذات مرة، بالصدفة، حلقة من مسلسل (الدهانة). وقد شدني الحوار، واداء الفنان كاظم القريشي، فتابعت المسلسل كاملا. وإثر ذلك رغبت في التعرف على كاتب المسلسل، السيناريست حامد المالكي، وحصل هذا بالفعل  واصبح حامد من اصدقائي المقربين. ومنذ ذلك الحين وانا احرص على متابعة جديده، الى جانب متابعتي الانتاج الفني العراقي عموما، حيث تبرز اعمال مهمة حقا يكتبها مبدعون متميزون.

وفي السياق نفسه تابعت في الايام الماضية مسلسل (الفندق)، وتوفرت لي  فرصة نادرة لزيارة موقع تصويره. وقد شاهدت تصوير لقطة لا يتجاوز وقتها بضع دقائق، مثلها الفنانون محمود ابو العباس وسناء عبد الرحمن وايناس طالب، وأعيد تصويرها عدة مرات، لتدقيق الحوار وتأكيد كلمة معينة فيه. ولم يتبدد استغرابي الحاح حامد على اعادة التصوير الا عندما بيّن لي اهميتها في تفسير مشهد آخر.

كان الفنانون رائعين في أدائهم، وهم يعيدون تصوير المشهد مرة بعد اخرى.  وقد تجاوبوا بصبر مع المالكي والمنتج علي جعفر السعدي. بينما كان  المخرج المبدع حسن حسني يتنقل بين مكان التصوير واستوديو المونتاج. لم اكن اتوقع مصاعب التمثيل وقدرة الفنانين على الصبر والتحمل لتحقيق النجاح، وقد زاد ما رأيت من اعجابي بهم، وانا اتلمس مشقة عملهم، وسعيهم الى نقل رسائل الى المجتمع وعرضها بطريقة فنية مشوقة.

عند عرض المسلسل، لفت انتباهي ذكر اسم رواية البريق  The Shining للكاتب الأميركي ستيفن كينغ، في الحوار الذي جرى في اول لقاء جمع الفنانَ محمود ابو العباس والفنانة ايناس طالب. وتكرر ذلك من بعد أكثر من مرة، فشعرت أن حامد يريد أن ينبهنا الى هذه الرواية، التي صارت فيلما عالميا مهما. ودفعني ذلك الى البحث، حتى وجدت الفيلم وشاهدته، واستمتعت بمشاهدته. وتدور احداث الفيلم في فندق تسكنه الاشباح ويديره كاتب روائي، وبدا لي وأنا أتابع أحداث مسلسل (الفندق)، ان فكرته الاساسية مستوحاة من الرواية ذاتها! وربما اراد حامد بهذا التضمين، ان يوثق لنا بأمانة الباحث الجاد والرصين، المصدر الرئيسي لروايته التلفزيونية.

واعود الى مغزى كل مشهد تابعته. فمشاهد المساج والملهى الليلي كانت محاولة لشد المشاهد الى ما هو غير مألوف، ولإثارة الجدل حول المسلسل. وقد نجحت في ذلك ووفرت له دعاية مجانية، فاقت قدرة اي شركة اعلان على تحقيق نسبة متابعة عالية مثلها. حيث انشغل به وسط واسع من العراقيين، وانقسموا بين مؤيد ومعارض لعرضه في شهر رمضان، نظرا الى ما يسبب من احراج للعائلة، وهي تجتمع للمتابعة الجماعية للبرامج في هذا الشهر. ربما اراد الكاتب القول ان العيب ليس في عكس جزء من واقعنا المرّ على الشاشة، انما العيب يكمن في غض البصر عن مشاكل باتت تعصف بالمجتمع وتهدد بتفكيك نسيجه الاجتماعي.

نجح المسلسل في وضع العراقيين امام صورة مجسمة للأمراض السياسية – الاقتصادية - الاجتماعية، حيث تتصاعد الجريمة المنظمة وتتسع امام انظار السلطات المختصة، و حيث تصول عصابات الخطف والتسليب، والترويج للمخدرات، والإتجار بالأعضاء البشرية، وحيث تنتشر صالات القمار (الروليت)، وتبرز ظواهر أطفال الشوارع والتسول والفساد والانتحار والمآسي التي تحا بالفئات المهمشة.

نجح المسلسل في تسليط الضوء على ظواهر اجتماعية خطيرة، لم تتوقف عندها السلطات المختصة كما يجب. علما ان معالجة مثل هذه الآفات الاجتماعية بطريقة فنية، ليست عصيّة على كاتب وفنان متمرس كحامد المالكي، المعروف بثقافته الواسعة، وبكثرة وتنوع قراءاته في السياسة والتاريخ وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا، الى جانب الادب والفن وهما مجال اختصاصه الدقيق. وهذه الثقافة التي انعكست في حوارات ابطال المسلسل، وبينهم فنانون كبار متميزون وشباب متألقون، ابدعوا في عكس الأمراض الخطيرة التي يئن المجتع تحت وطأتها.

رفضت رفضا قاطعا ان اسمع من حامد شيئا عن الحلقة الجديدة بعد كل حلقة اشاهدها، لكي ابقى متشوقا في المتابعة، رغم الفضول الذي ينتابني لمعرفة ما سيلي من الاحداث. فقدرة كاتبنا لافتة في صناعة التشويق المثير. لذلك كان موعد عرض المسلسل مما لا اتنازل عنه لأي غرض آخر. هذا باستثناء الحلقة الاخيرة، التي اضطررت الى مشاهدتها على اليوتيوب بعد ثلاث ساعات من عرضها. والسبب يعود الى مشاركتي في برنامج على شاشة العراقية، كان لا مناص من الاسهام فيه وقد تناول خصال الحكم عند إمام الحق والعدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: