غدت بعض الأساليب اللائقة من تعاملات اجتماعية وغيرها في بعض المؤسسات الحكومية من الأمور العجيبة وغير المألوفة في يومنا هذا، بالنظر لانتشار الفساد الإداري والمالي في مفاصل الدولة باختلاف تشكيلاتها الحكومية، وما عكسته من اثار سلبية على نفسية المواطن العراقي في تعامل بعضه البعض، حتى وجدنا نادرا من موظف في دائرة خدمية يستقبل المراجع البسيط ببشاشة وبـ "العيني والاغاتي" كما نقول بلهجتنا العراقية، او نجد موظفاً يسهل بعض الإجراءات الروتينية لمعاملتك الرسمية، بل ويشرح ما يستعصي عليك  فهمه بسبب التشابك والارتباك بسير المعاملة والطلبات الكثيرة وربما الغريبة.

وعندما نجد موظفاً مبتسماً، الامر بالطبع، نراه مبهرا لان سياق عمل كهذا مع الأسف الشديد يعتبر عجيبا وشحيحا في اغلب الدوائر الحكومية ان لم اقل كلها، فقد سيطرت روح المصلحة الذاتية والمنفعة على مجمل العلاقات العامة وفي مقدمتها الدوائر ذات العلاقة المباشرة بالمواطن والتي تتعامل بأمور مادية كدوائر الضريبة والتسجيل العقاري ودوائر التسجيل المروري والبلديات وغيرها. ولذلك ربما تصيبنا الدهشة والاستغراب حين نشاهد موظفا ملتزما ومقتنعاً بكونه يخدم الشعب ووجوده في موقعه المهني ماهو الا تشريف لأداء واجبه بما يمليه عليه ضميره وتربيته.

لقد غدت الرشى من الأساليب المتعارف عليها لكن بمسميات عديدة منها " الاكرامية او الهدية" وبحسب اعتقادي ان معاملة المواطن لا تسير في مسارها الصحيح ولا تروج مالم يعطي المواطن ما قسمه الله لبعض الموظفين المعنيين بترويج المعاملة.

كل هذا تذكرته وانا أراجع واحدة من تلك الدوائر بين فترة وأخرى، فوجدت فيها موظفة تسلقت سلم الوظيفة من مسؤولة شعبة إلى مديرة دائرة بكل مهنية وامانة، وهي تتميز بأخلاق عالية يتوجب على كل موظف ان يتحلى بها وكل موظف يتصدى للخدمة العامة، بدءا بالمفردات التي تتعامل بها مع المواطن، حيث تكون رقيقة مثلا "اخوية، عيني، عمو" وغير ذلك من الكلمات المحببة للنفس والمطمئنة، بل تقوم بواجبها وتنجز المعاملة للمراجع بكل أصول قانونية ورسمية ودون مقابل مادي يذكر مع توجيهه الى الطرق الصحيحة والسليمة لسير المعاملة.

أجد من الاحرى بي كمراجع ومواطن ان اشير الى حالة كهذه، فهي موظفة عراقية تتميز بالوطنية، وانا أحيي وأهنئ المتفانية بعملها، واتمنى ان يحتذى بطريقتها وأسلوبها في التعامل مع المواطنين وإن تكون مثالا لكل موظفينا، انها مديرة التسجيل العقاري في حي الشعب التي جعلت من دائرتها وموظفيها مثال يحتذى به في النزاهة والشفافية والوطنية.