منذ أكثر من شهر وأزمة السيول القادمة من ايران وتركيا، وارتفاع مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات وفي شط العرب، وغرق بعض القرى والمدن، واتلاف مساحات كبيرة من محاصيل الحنطة والشعير في بعض المدن ، وتشرّد البعض نتيجة غرق بيوتهم وقراهم، وقلق وخوف البعض الآخر من الفيضانات والغرق ، وما سيحصل إذا وصلتهم هذه السيول ، إضافة إلى تصريحات المسؤولين بأن أزمة الماء واللسان الملحي والخوف من التصحّر والظمأ قد زالت نهائيا ، وصار احتياطينا من الماء يكفي لسنوات قادمة !
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال : كيف سنحتفظ بالمياه ، وما تجلبه الأمطار والسيول ،والماء يجري صوب البحر، دون أن يصدّه حاجز ما ، أو يُخزن في مسطحات مائية أو قنوات أو بحيرات؟!
قبل يومين وأنا عائد من بغداد ، والسيارة تنهب الأرض التي اكتست بحّلة خضراء جرّاء ما هطل عليها من أمطار وبَرَد، رأيت الجمال والماشية سارحةً ترعى بكل أمان وفرح. قلت في نفسي : ماذا يحصل لو فتحنا قنوات وترعاً من نهري دجلة والفرات وبقية الأنهار المتفرعة منهما باتجاه هذه البراري المترامية الأطراف ، وحولناها إلى بساتين ومزارع بعد دعم الشباب وتشجيعهم على استثمار هذه الأرض على وفق مشاريع زراعية جديدة ؟!
الأرض جميلة جداً وخصبة ، والدليل انها ما ان سُقيت بماء المزن حتى اخضوضرت واعشوشبت وهذا دليل خصبها، وفي المستطاع تحويلها إلى أراض غنّاء بالزراعة والمحاصيل. وبعد زراعتها ستتحول بالتأكيد إلى قرى ومدن سكنية تضم فلاحيها ومزارعيها، كما ستنشأ عليها أيضا معامل للطحين والتعليب والعصائر وغيرها ، بمعنى ستتحول هذه البراري إلى قرى وقصبات تزدهي بالناس والمحاصيل، وسنستفيد منها كثيرا ، تنتعش الزراعة وتُحل أزمات السكن والبطالة والتصحّر وما إلى ذلك؟!
علينا أن نأخذ هذه الأمور بميزان العمران والبناء وتحويل بريتنا إلى قرى زراعية، والاستفادة من أي نسبة ارتفاع للمياه في نهري دجلة والفرات، ومن هطول الأمطار الآن وفي قابل الأيام ، لا أن نتركه جاريا كما يحصل الآن دون أدنى فائدة ، ولا نجني سوى الخراب والفيضانات والغرق وبالتالي نشعر بالأسى نتيجة تفاقم الأزمات!
كل دول العالم تدرس مثل هذه الحالات وتستفيد منها في مشاريع عمرانية واقتصادية كبيرة، لتطوير زراعتها وصناعتها وتشغيل اكبر عدد ممكن من الشباب!
علينا أن نسعى بجد لدراسة هذه الحالة الآن ونتحرك للعمل على وفق ما يمليه علينا انتماؤنا الحقيقي للوطن والناس، كي نفتح مشاريع عملاقة تحد من أزمات عديدة، قبل أن يمرَّ الماء منساباً تارة وهادراً أخرى باتجاه البحر دون أدنى فائدة!