قبل أيام حدثت كارثة العبّارة التي أدمت قلوبنا وقرّحت جفوننا، وجعلتنا في دوّامة أسىً لا مثيل لها، وقال مَنْ قال، وصرّح مَنْ صرّح، وتأسّى مَنْ تأسّى... ولكن..!

حتماً ستمرُّ مرور السحاب وسننساها لنُصدم بكارثةٍ أخرى ونعيد الكرّة في الحزن والأسى مثلما مرّت سابقاتها من الأحداث. فالتفجيرات الدامية، وغرق العبّارات والزوارق وحوادث الاختطاف والاغتيالات وانهيار المباني، وحوادث الطرق وحرائق المؤسسات وغيرها، كلها حدثت وسمعنا الأقوال والتصريحات النارية وقتها، والتي جعلتنا نحلم بأننا نعيش العدالة بكل أشكالها وألوانها، ولا يمكن أن ينجو مجرم من العقاب أبداً، لكننا ما أن نفيق من الحلم حتى نجد أنفسنا في بلد هو الثالث فساداً في التصنيف العالمي، وهذا الأمر يجعلنا أمام مفترق دروب لا مثيل له من القلق والخوف والارتباك الدائم إزاء مجهول لا نعرف شكله أو حجمه!

الفساد أساس كل خراب ودمار وسفك دماء على هذه الأرض، حيث صار كالسوسة ينخر في كل مفصل من مفاصل حياتنا الاجتماعية والإنسانية والسياسية والمعيشية، فصار الجشع سيد مطالبنا ومبتغانا، وبتنا لا نتورّع عن قتل أي شيء كي نعيش منعّمين حتى وان صاح العالم بأسره علينا: إنكم فاسدون، مخرّبون، عاجزون عن أن تبنوا دولة مهما كان لونها وطريقة الحياة فيها!

لا نتورّع عن قتل الزرع والضرع وقبلها الإنسان كي نملأ جيوبنا بالمال السحت، وإلاّ هل فكّرنا بآلية العيش الرغيد بصفاء ومودّة مع الجميع، ونشر ثقافة المحبة والتآخي والنزاهة والأمانة ونكران الذات وقبل كل شيء حب الوطن، ومعنى الوطنية الحقّة؟!

فإذا بقينا على هذا الحال ولم نقف ونتأمل ما حدث وسيحدث والى أين ستؤول أمور البلاد والعباد فستكون العاقبة أكثر سوءاً، والهاوية هي المحطة الأخيرة، وسيلعننا الناس والتاريخ على مرِّ العصور!

العبّارة وكارثتها لابد أن تكون آخر محطّة نقف عندها في طريق الكوارث الدامية التي سببّها ويسبّبها الفساد المستشري في الضمائر والنفوس قبل كل شيء، وعلينا أن نعيد حساباتنا عسى أن نتلاحق أنفسنا، ونستطيع أن نصحّح بعض ما خَرب فيها!

العراقيون كشعبٍ أمانةٌ في أعناق المسؤولين مهما كانوا من أعلى منصب إلى أدناه، ولابد أن تصان هذه الأمانة مهما كلّف الأمر، لا أن نترك الحبل على الغارب ليغرق الجميع في بحور من دم وخراب وضياع نتيجة الفساد واللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية الحقيقية وبكوننا بشراً وإنسانيين في كل شيء، وبالتالي يضيع الوطن بأكمله!

وليعلم الجميع أن أثمن وأكبر وأعلى وأغلى وأفضل رأس مال في الوجود هو الإنسان، إذا ضاع ضاع كل شيء حتى الوطن!