يجمع الاقتصاديون والمهتمون بالشأن الاقتصادي ان طرق النقل والمواصلات التي تشتمل على الطرق البرية والبحرية والجوية والموانئ والمطارات وسكك الحديد والجسور، بقطاعيها الحكومي والاهلي، تشكل عصب الحياة بالنسبة الى الاقتصاد ولا يمكن تصور تحقيق اي شكل من اشكال التطور والتنمية وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التنموية دون ان تكون هذه القاعدة التحتية على درجة عالية من المتانة والصلاحية والانسيابية والادارة الكفوءة.
لقد اخذ هذا القطاع الذي يمتد حاليا على مسافة 40690 كم، بالنمو بين عامي 1921 وحتى الوقت الحاضر لكننا ينبغي الا نتوهم ان معدلات هذا النمو تتصاعد بصورة متواترة اذ تختلف في حركتها تقدما وتراجعا بين مرحلة واخرى ارتباطا بنمو القطاعات الاقتصادية الاخرى ورسوخ السياسة الاقتصادية. وكل ذلك كما اثبتت التجربة مرتبط قبل كل شيء بنمو الموارد المالية وخاصة النفطية التي تشكل حاليا اكثر من 90 في المائة من الموازنات السنوية و60 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي والتي ازدادت خلال سنوات ما قبل منتصف عام 2014.
ان التردي في هذا القطاع اليوم يتجسد في تحول الطرق البرية الاستراتيجية الى ارضية خربة ومتموجة اشبه بالسواقي الزراعية والى مطبات وعوائق، وفيما يتعذر النقل الا من خلالها، فانها تسببت بحدوث كوارث مادية وبشرية لا يمكن تعويضها فتشير الاحصاءات الى ان اكثر من 24 الف شخص لقوا مصرعهم او اصيبوا في عام 2018 وحدها اذ لقي 5152 شخصا مصرعهم وجرح 18404 بين اصدام ودهس. ومن مظاهر التدني ايضا تردي خدمات الموانئ والتلكؤ في انجاز ميناء الفاو الكبير وملاحظات دولية حول خدمات الخطوط الجوية العراقية وتخلف نوعي في المطارات وبعضها يهيمن عليها الفاسدون (كما تحدثت التقارير عن مطار النجف مثلا) وتخلف في مشاريع النقل النهرية وخاصة مشروع التاكسي النهري والحاجة الى اصلاح وادامة 1156 جسرا تربط بين المدن العراقية الواقعة على ضفاف دجلة والفرات والانهر الفرعية.
ومن المفيد الاشارة الى محاولات اصلاح القاعدة التحتية لهذا القطاع بعد الاحتلال من خلال وضع دراسات لتحديد اليات التنفيذ والتكاليف التخطيطية التي تتطلبها كي تكون من بين اهدافها جذب الاستثمارات الاجنبية التي كثر الحديث عنها في اروقة مراكز القرار. اذ اسهمت مؤسسات الامم المتحدة العاملة في العراق بالتنسيق مع البنك الدولي في وضع التقديرات المالية اللازمة لاصلاح هذه البنية واوضحت انها تتطلب ملياري دولار ولا تدخل ضمنها نفقات التشغيل والصيانة وفي عام 2004 جرى تخصيص 500 مليون دولار لتنظيم ومراقبة قطاع النقل. ان هذا الخراب والضرر الذي اصاب قطاع النقل يتطلب من الحكومة وضع خطط علمية محددة لمعالجة هذا الخلل الكبير خاصة وإننا لم نجد في البرنامج الحكومي للاعوام الاربعة القادمة ما يشير الى اصلاح الطرق البرية الاستراتيجية الا بصورة جزئية. وفي هذا المجال نقترح ما يلي:
تشكيل لجنة عليا من وزارات النقل والتخطيط والاسكان والداخلية والتجارة والامانة العامة لمجلس الوزراء تتولى اجراء كشف وسريع لاعداد دراسة ميدانية لحالة كل مفاصل هذا القطاع لحجم الضرر وتقدير التكاليف اللازمة لاجراء اصلاحات جذرية بعيدة عن الاجراءات الترقيعية التي اتبعت في الفترة الماضية.
من الضروري ان تكون المفاصل الاستراتيجية الكبرى ملكا للدولة بالاضافة الى ادارتها وخاصة سكك الحديد والموانئ والمطارات والخطوط الجوية العراقية مع الاستعانة بالقطاع الخاص في بعض مراحل العمل في هذه القطاعات ودعوة الشركات العالمية المعروفة للاستثمار في النقل البري لفترات زمنية متفق عليها وان تقوم بادارة المرور فيها مع فرض رسوم معقولة على المركبات.
ايلاء عناية كبيرة بسكك الحديد والاكثار من قطارات نقل الركاب وحمل البضائع وتسهيل اجراءات نقلها بالنسبة للبضائع والسلع المنتجة محليا بين المحافظات وخاصة سريعة الاستهلاك.
فك الاختناقات المرورية داخل المدن من خلال تنفيذ المشاريع الاستراتيجية ومنها مشروع المترو والقطار المعلق في بغداد في ضوء التصاميم التي وضعتها شركات فرنسية، وكذلك عن طريق الاكثار من الانفاق والمجسرات في بغداد والمحافظات.

عرض مقالات: