كثيراً ما نقرأُ ونسمعُ إعلاناتٍ تقول: المنظمة الفلانية تحتفي بالشاعر فلان الفلاني للحديث عن تجربته الإبداعية، والجمعية العلاّنية تحتفي بالقاص كذا ليتحدث عن تجربته في مجال القصة، وهكذا، وأخرى مثل: تقيم الرابطة الفلانية حفل توقيع للكاتب فلان، وغيرها! هذا دليل عافية وازدهار للثقافة والإبداع. نعم، ولكن البعض مازال لا يميّز بين التجربة الإبداعية وحفل التوقيع ، حيث نجد إعلاناتٍ تشيرُ إلى أسماءَ جديدةٍ في فضاء الثقافة ليس لها تجربة تُذكر وأخرى مازالت مبتدئة لم تبلغ الحلم ، مثلما تشيرُ إلى أسماءَ لها تجاربٌ راسخةٌ وكبيرة ، وكأننا في احتفائنا هذا علينا أن نحذو حذوها ــ أقصد الجديدة ــ وننهلَ من تجربتها دون الرجوع إلى معايير التجربة وأسسها ونتائجها!
أيعقل إننا وصلنا إلى حد الإسفاف والاستهانة بالإبداع وإنجازاته وتجاربه ؟! حيث بتنا لا نميّز بين الاحتفاء بالتجربة ومعاييرها الحياتية والمعرفية والإبداعية من عمرٍ أدبيٍّ وانجازاتٍ يُشار اليها في كتابات النقّاد والباحثين وشهادات المجايلين والمعاصرين إضافةً إلى دراستها أكاديمياً، وبين حفل التوقيع لكاتب في الدرجة الأولى من السلّم ومازال يخطو أولى خطواته، وصرنا لا نعي أننا بفعلنا هذا سنقضي عليه إبداعياً ونحدّده وفق مسارٍ لم يفكّر فيه، وستكون تجربته بعد ذلك ناقصةً ولن تكتملَ حتما! كذلك لم نعرف أن الاحتفاء بالتجربة هو دراستها من جميع الجوانب وتسليط الضوء على كل أجزائها ليغرف منها الشباب ويتزودوا بمعاييرها ومعارفها وأنساقها من خلال تتبعهم السيرة الذاتية والإبداعية والبحث عن كلّ ما أنتجه المحتفى به خلال عمره الأدبيّ والحياتيّ، وان حفل التوقيع هو احتفال بمولودٍ جديدٍ لأيّ كاتبٍ كبيرا كان أو شاباً وتسليط الضوء على منجزه هذا فقط من خلال قراءته وتوضيح ما جاء فيه من نوافذَ وأبواب ومساراتٍ كي يعرف الكاتب (المُنْتِج) أين وصل بكتابه هذا، وما هي المحطة التي تنتظره بعد؟!
كل هذا يقع على عاتق ومسؤولية القائمين على التجمعات الثقافية بكل توجهاتها وأنواعها رغم قلّة الخبرة عند البعض منهم في مجال الإبداع والإدارة وكأنها أنشئت للتعارف والتقارب والوجاهة وتزجية الوقت فقط متناسين إنها نوافذ ضوئية لانعكاسات التجربة الإبداعية المشرقة ثقافيا ومعرفيا لهذا البلد أو ذاك، والصورة المثلى للمحطة التي وصل إليها الوعي والمعرفة والتجارب الخلاّقة أيضا. لهذا علينا أن نتأنَّى قليلاً وندرس وندقق في آلية الاشتغال على هذه الفعاليات وبرمجتها وفق أسسٍ ومعايير تصبُّ في صالح المبدع والمحتفين به في الوقت ذاته ، وأن لا نتسرع أبداً في إقامة جلسات كهذه لأننا سنقع في بؤرة النكوص الثقافي وترديد الأقوال والأفعال نفسها ، إضافة إلى جعل المحتفى به وخصوصا إذا كان في أول الطريق في دوّامة وهمٍ لن يستطيع الفكاك منه بعد ذلك فيموت إبداعياً !
حفل التوقيع له خصوصيته وفاعليته ووقعه الخاص على نفسية وروحية الكاتب وبالأخص إذا كان في أول الطريق أو تقدّم به العمر وإصداره الأول هذا، ما علينا إلاّ أن نسعده ونمنحه طاقة وشحنة جديدة للكتابة والإبداع ليكون ذات يوم كما الكبير الذي احتفينا بتجربته !