بدأ الجدل واسعا بين الكتل السياسية وداخل مكوناتها ، وفقا لتقارير وتصريحات عدة ، بشأن الدرجات الخاصة ، الشاغرة منها وتلك التي تدار بالوكالة ، والتي قد تزيد عن ٤٠٠٠ وظيفة . وتشير المعلومات المنشورة الى ان كتلة سياسية معينة وحزبا محددا، يشغل المحسوبون عليهما حاليا حوالي ٦٠-٧٠ في المائة من هذه الوظائف، خاصة وظائف الوكالة " المزمنة " .
وعند الحديث عن الدرجات الخاصة ينبغي القول انها تشكل طيفا واسعا من المواقع الوظيفية في الدولة ، بين موقع الوزير والمدير العام ، وان اشغالها ينبغي، وفقا للمادة ٦١ من الدستور العراقي، ان يوافق عليه مجلس النواب بناء على اقتراح من مجلس الوزراء. وتشير هذه المادة في الفقرة الخامسة /ج منها، الى ان مجلس النواب يختص ايضا بالموافقة على تعيين " رئيس اركان الجيش ، ومعاونيه ،ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ، ورئيس جهاز المخابرات .."
وقد خطا مجلس النواب خطوة ملزمة للحكومة، حين حدد يوم ٣٠ حزيران القادم موعدا نهائيا للبت بالدرجات الخاصة التي تدار بالوكالة ، وجاء ذلك عند إقرار المجلس موازنة العراق الاتحادية لسنة ٢٠١٩.
والدرجات الخاصة من وكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين ومفتشين عموميين ، في مؤسسات الدولة المختلفة ، وفِي المواقع العسكرية والأمنية كما في الهيئات المستقلة ، يلعب أصحابها دورا مهما في عمل مختلف المؤسسات، وهم عمليا الحلقات الاساسية في ادارة الدولة ورسم خططها ومشاريعها ومتابعة تنفيذها. انها الحلقات التي يتوقف عليها الكثير في تحسين الأداء وتطويره وتخليصه من الروتين والبيروقراطية ، وفِي حسن استخدام المال العام وتوظيفه والحد من الرشى والفساد المتفشي في دوائر الدولة على اختلاف تخصصاتها .
ولما لهذه المواقع من اهمية فائقة ، ونظرا للحجم الكبير للدرجات التي يجري الحديث عنها والتعامل معها ودراستها ، فان الموضوع يثير الكثير من التساؤلات المشروعة، خصوصا بعد ان الزم مجلس النواب الحكومة البت فيها خلال فترة زمنية محددة، ومعالجة ما تراكم من اخطاء وخطايا وهفوات وثغرات كبيرة في هذا الحقل المليء بالألغام ، والذي تتنازعه مصالح متباينة ويحتدم عليه صراع بين قوى مختلفة، لا همّ للعديد منها سوى الاستحواذ على اَي موقع فيه، بهدف إدامة نفوذه وسلطته و" حلب" ما يستطيع منه.
ولا شك ان المراجعة مطلوبة، وقد تكون تأخرت كثيرا بالنظر الى اهمية الامر وضرورته والحاجة الماسة اليه. ولكن الأسئلة بشأنه كبيرة ومتعددة ومتشعبة. فكيف ستنجز المهمة، خصوصا وان العدد كبير نسبيا ويشمل مؤسسات الدولة كافة؟ ومن هي الجهة التي ستنهض بهذه المهمة الجسيمة؟ وماهي المعايير التي ستعتمدها؟ وهل سيتم توزيع غنائم " الدولة العميقة " فتتحول الى " دول عميقة"؟
من جانب آخر هل ستجري العودة الى المحاصصة ، او الى صيغ ملطفة منها، مثل اعتماد "الاستحقاق الانتخابي" وفرض اسماء معينة بذريعته من الاقارب والعشيرة ووعاظ السلاطين؟ او اعتماد "مبدأ التوازن "، الذي يتجدد الحديث حوله هذه الايام؟ وهل سيعود الحديث مجددا عن بيع هذا الموقع او ذاك ؟ واذا جرى اعتماد المحاصصة ، فمن سينصف الكفاءات الوطنية التي لا غبار على وطنيتها ولكنها لا تنتمي الى اَي حزب او كتلة سياسية معينة؟
هذا غيض من فيض التساؤلات التي تبحث عن اجابات، قد لا تأتي في ظروف بلادنا الراهنة التي تتحكم في مساراتها عوامل عدة، بينها المال والسلاح والمناطقية والعشائرية والمحاصصة التي هي اس البلاء.
ويبقى السؤال الأخير موجها الى كل المعنيين، وباحثا بالحاح عن اجابة: متى تعتمد معايير الكفاءة والمهنية والنزاهة والوطنية وحدها ولا غيرها، في إسناد الوظيفة العامة ؟

عرض مقالات: