ان انعقاد قمة بيروت لم يكن الاول ولم يكن الاخير فقد سبقته العشرات ان لم تكن المئات من المؤتمرات والقمم والاجتماعات على مستوى الملوك والرؤساء او الوزراء بعد تشكيل الجامعة العربية في عام 1945 وكلها تؤكدعلى توحيد السياسات على مستوى المواقف السياسية او الاقتصادية وصولا الى الوحدة الاقتصادية فالسوق العربية المشتركة، فقد تضمنت اتفاقية الوحدة الاقتصادية المعلنة في القاهرة عام 1956 جملة من البنود تتصل بانتقال الافراد ورؤوس الاموال وحرية النقل والترانزيت ومنطقة كمركية حرة وتوحيد سياسات التصدير والاستيراد وايضا السياسات المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة الداخلية فما الذي تحقق من كل ذلك؟ الجواب: لا شيء..
وزير التجارة العراقي كان شديد التفاؤل بانعقاد القمة بالنظر الى عدد الملفات التي ستناقشها والمتعلقة بتمكين المرأة ومعالجة الفقر والاقتصاد الحر بين البلدان العربية وقضية الامن الغذائي وتركيزه على نمو التبادل التجاري بين العراق والدول العربية لكن الوزير لم يخبرنا ماذا سيصدر العراق لهذه البلدان؟
ان ظاهرة الفقر في البلدان العربية ناتجة بالاضافة الى طبيعة السياسات الداخلية والتدخلات المباشرة للمؤسسات المالية الدولية من خلال شروطها القاسية التي تفرضها على حكومات الدول العربية انطلاقا من السياسة النيوليبرالية التي لا تتلاءم في معظم الحالات مع السياسات الوطنية خاصة عند منحها القروض التي تكون معطلة لعمليات التنمية والاصلاح الاقتصادي فضلا عن فرض سياسات ضريبية غير عادلة وتدمير منظومة الحماية الاجتماعية ونسب الادخار للافراد.
اما في العراق فالفقر يضرب اطنابه في عمق المجتمع العراقي وان آثاره تتمظهر في كثير من المشاهد والميادين في الاحياء السكنية، وفي الساحات، وكذلك في التعليم والصحة واوضح مقياس للفقر هو حالة الحرمان في استهلاك اقل للمواد الغذائية وتدن كبير في الخدمات الصحية والتعليمية وظروف اسكان سيئة ونقص او فقدان في الاصول المالية والرأسمالية والمدخرات وهذه هي المعايير العالمية للفقر والاحصائيات الحكومية تخبرنا بوضوح أن ثلث السكان يقع تحت خط الفقر واسباب الفقر في العراق كثيرة واهمها السياسات الاقتصادية الفاشلة على مدى خمس عشرة سنة التي تستمد خلالها المشورة من المؤسسات المالية الدولية، والزيادة في السكان وازمات غذائية ومالية عالمية وعدم كفاءة السياسة المالية والاخطر من كل ذلك الفساد المنتشر في كل مؤسسات الدولة ولم تنفع الاستراتيجيات الثلاث التي وضعتها وزارة التخطيط بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في التخفيف من الفقر ففي عام 2010 كانت نسبة الفقر 23 في المائة وبعد ثمان سنوات اصبحت النسبة 31 في المائة بدلا من 16 في المائة كما كان مخططا.
ان من حق وزير التجارة ان يتفاءل ولكن ليس بمقدوره ان يفعل شيئا بشأن عشرات الاتفاقيات العربية التي تحولت الى مجرد ذكرى فمعالجة الفقر في العراق تدخل ضمن واجبات الحكومة العراقية وسياساتها الاقتصادية الشاملة بما فيها السياسات المالية والنقدية وكذلك السياسة التجارية التي تقع ضمن مسؤوليات السيد الوزير. اننا نعتقد ان تنفيذ هذه السياسات يستلزم حزمة من الاجراءات نذكر منها ما يلي:
• تحقيق اصلاحات سياسية عميقة تمهيدا للتمكن من تحقيق اصلاحات اقتصادية فعالة عبر الانتقال المنضبط من الاقتصاد الريعي الى قطاع الانتاج السلعي وسياسة ادخارية تمتص الكتلة النقدية المكتنزة لدى الافراد.
• تفعيل مشاريع التنمية المعطلة لامتصاص البطالة وتمكين العاملين من الحصول على ما يحتاجون من السلع الاستهلاكية والخدمات عبر مراجعة حقيقية لسياسة الانفاق.
• اعادة توزيع الدخل من خلال تضييق الفجوة الواسعة بين الاغنياء والفقراء التي تحققت بشكل اساسي عبر سرقة المال العام والاستحواذ بدون وجه حق على الثروة بحكم وجودهم الفاعل في السلطة والتحكم بالمشاريع. وكل ذلك يتم عبر تفعيل نظام ضريبي عادل وقوانين للتأمينات الاجتماعية والغاء الضريبة غير المباشرة عن كاهل الطبقات الكادحة.
• ومهما كانت مستويات الدخل التي سيحصل عليها العاملون فانها غير ذات فائدة بدون ضبط ايقاع مستوى الاسعار في السوق عبرتسعير السلع الاستهلاكية وتفعيل لجان الرقابة التجارية.

عرض مقالات: