زيارة الرئيس الامريكي ترامب، الى العراق يوم 26/ 12/ 2018 لتفقد القوات العسكرية في قاعدة عين الاسد، لم تستغرق كما هو معروف اكثر من ثلاث ساعات، والغريب في الامر ان الحكومة العراقية لم تعلم بها، ولا أي مسؤول عراقي، في ممارسة استعلائية تعكس عقلية الاستخفاف والاستهتار بمصائر الشعوب، وسيادتها الوطنية. والأنكى ان ترامب لم يقابل أي من الرئاسات الثلاث، واكتفى قبل ان ينهي زيارته المفاجئة، بالاتصال تلفونياً برئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي.
ولتبرير هذا السلوك الغريب ديبلوماسياً واخلاقياً، حاولت الحكومة العراقية بهدف الحفاظ على ماء الوجه، الادعاء بانها كانت على علم مسبق بالزيارة، في حين ان وزارة الخارجية الامريكية، اعلنت بما لا يقبل التأويل، ان ما حال دون لقاء الرئيس الامريكي بأي من المسؤولين العراقيين، انهم لم يبلغوا إلا في وقت ضيق جداً والا لهرعوا بمنتهى الحماس والامتنان للقاء القادم الكبير!
اما الادعاء الآخر بأن عبد المهدي رفض لقاء ترامب في عين الاسد وأصر ان يكون اللقاء في بغداد، فلم يظهر للعلن إلا بعد بضعة ايام!
من جهته اراد ترامب ان يعطي زيارته بعداً درامياً، متأثراً بأفلام الرعب الامريكية، التي خربت وعي الشعوب واشاعت ثقافة العنف والتطرف في جهات المعمورة الاربع، كجزء من استراتيجيتها للهيمنة على دول العالم وشعوبها.
ما قاله ترامب، عن رحلته الميمونة انها كانت في منتهى السرية والطائرة مظلمة، لا إثر لنور فيها، تحف بها الطائرات الحربية، وحسب قوله، لم ير شيئاً مشابهاً طيلة حياته المليئة بالمواقف العنيفة والفنتازية. ومن المؤكد ان هذه الرحلة ستتحول الى فلم من افلام الاكشن والرعب، الذي سيحقق اعلى الايرادات المالية منذ اسبوعه الاول.
لا عيب على رئيس امتهن اللصوصية والحماقة في حياته السياسية وقبلها ايضا انما العيب كل العيب على حكامنا الاشاوس، الذين ملؤوا الدنيا زعيقاً عن السيادة الوطنية، وعدم المساس بها، من اي شخص او دولة مهما كان جبروتها وقوتها، في حين ان الوطن مستباح ليس من الامريكان وحسب، وانما من جارينا الشرقي والشمالي.
هل هذا الواقع المؤلم، متوقع حدوثه وتكراره، ام لا؟ بطبيعة الحال متوقع تماماً لأسباب عدة، من اهمها، ضعف الجبهة الداخلية وتشرذمها وتشتت قواها في نزاعات وصراعات اقل ما يقال فيها انها عبثية، وتنحو باتجاه تحويل العراق وثرواته الهائلة الى بقرة تدر ذهباً لمن سجله ملكا صرفا في حساباته الشخصية داخل الوطن وما وراء الحدود.
كما ان المتنفذين مرتبطون بوشائج عديدة، بدول اقليمية ودولية، وهي بالنسبة لهم، المرجعية في الكثير من امورهم وامتيازاتهم. فلا عجب اذن من ان يتحول العراق الى "خان جغان" يتجاوز عليه وينتهك سيادته من شاء ومتى شاء!
هل الحل عصي او يحتاج الى "فتاح فال" لكي يستطيع المتنفذون معرفته ومن ثم تنفيذه؟ ام انه واضح وضوح تعاقب الليل والنهار، لكن غياب الارادة السياسية، والمصالح الانانية، هي من يجعله بعيد المنال؟
ان تنفيذ مطالب الجماهير الشعبية، يكمن في الاسراع بتشكيل الوزارة والخلاص من المحاصصة البغيضة، ومكافحة الفساد بلا هوادة، وتوفير الخدمات، وهي الكفيلة باستعادة عافية المجتمع، وعدم السماح بانتهاك السيادة العراقية، والحفاظ على كرامة العراق شعباً وارضاً، وكرامة المسؤولين أنفسهم.

عرض مقالات: