في زمن النظام السابق، زمن الخوف والحروب والهراوات، لم يبق للمواطن العراقي كثير من الاحلام، عدا حلم واحد، هو ( ان يبقى على قيد الحياة). اما بعد الخلاص من الدكتاتورية، فقد ساد شعور، بأنّ الوطن خرج نهائيا من دوامة العنف والضياع، وانهُ ذاهب في الطريق الذي يؤدي الى الحياة بمعانيها الجميلة الكاملة! وبسبب هذا الاحساس اللذيذ والمشروع، ارتفعت وتيرة احلام العراقيين وكثرت تطلعاتهم، خاصة عندما خاطب السياسيون في بداية ظهورهم وجدان المواطن بكلمات وشعارات احلى وارق من الانغام، ووعدوا بأنهم سيحولونها الى مشاريع لخدمة الانسان العراقي!.
لكن محصلة تلك الخطابات وذلك الضجيج، لم تكن تسر كثيرا، وبضمنها الفساد الذي لا مثيل له في تاريخ العراق الحديث. لقد خاض اصحاب المصالح الأنانية بأدراك او من غير ادراك في مستنقع الازمات، وهم لا يستطيعون بأيّ حال الخروج منه، لأنهم مازالوا متمسكين بالمفاهيم التي تركت تداعياتها الخطيرة على سلامة المجتمع، واصبحت عناوين للتشتت والتشرذم ودفعت البلاد الى الزاوية المعتمة، وسبّبت الكثير من المآسي، ونتج عنها المزيد من الخراب.
فهل من نهاية ممكنة سعيدة لهذا الفيلم الدرامي المرعب؟!
نعم، لو ادرك العراقيون أنّ دولتهم باتت في مؤخرة دول العالم من حيث الخدمات وحقوق الانسان، وفي مقدمة البلدان من حيث الأمية والفقر، ولو علموا أنّ التنمية واللصوصية لا يجتمعان، وانّ الفساد الذي كان طفلا يحبو، كبر واصبح ديناصورا عملاقا، ولو عرفوا ايضا، ان السبب الاساسي في هذا الانهيار المريع الذي وصلنا اليه، هو الصراع غير النزيه بين اللاعبين الكبار والاستحواذ غير المشروع على ثروات البلاد ومواردها من دون مراعاة للتنمية في المجالات الحيوية والضرورية للتقدم والاستمرار.
ان هذه السياسة التي راح ضحيتها الكثير من الابرياء والتي استمرت اكثر من عقد ونصف العقد من الزمان لتجربة جديرة بالتوقف عندها لكي نتلمس الطريق الذي يجنبنا الوقوع في شباك سياسة المحاصصة مرة اخرى.
لقد حان الوقت لكي نخرج من صمتنا ونستأصل الفيروس الذي تغلغل في جسد البلاد ونشر سمومه، حان الوقت لكي نراهن على الشرفاء والوطنيين الذين لم تتلطخ اياديهم بدماء العراقيين ولم تمتد الى جيوب الفقراء. فهؤلاء هم من ينبغي أن نعطيهم أصواتنا.

عرض مقالات: