الاستثمار في العراق تتنازعه قوتان الاولى المخاوف والمخاطر في ظل سياسات متغيرة منفرة للاستثمار واوضاع امنية غير مستقرة وبيروقراطية ادارية وعمليات ابتزاز تمارسها قوى سياسية نافذة مشبعة بالفساد وضبابية في التشريعات تقابلها دعوات مستمرة من قبل الحكومة ومؤسساتها المعنية بالاستثمار وجمهرة الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي لجذب المستثمرين وكلها تتحرك في بيئة غير مناسبة.
في ظل هذه الاجواء لم تحقق عملية الاستثمار خلال الفترة الماضية منجزا ملموسا بسبب السياسات الاقتصادية التي تعاني الاغتراب وعدم الوضوح، وفي هذه القتامة عجزت الدولة عن ان تكون بديلا ولو جزئيا في هذه العملية فلم تزد نسبة التخصيصات الاستثمارية في الموازنات السنويةعن 25 في المائة من مجموع النفقات المحددة في الموازنات السنوية وعلى سبيل المثال ففي مشروع موازنة 2019 فإن جزءاً مهما من التخصيصات الاستثمارية تعتمد على0,15 في المائة على القروض الداخلية والخارجية . زد على ذلك انه في عام 2014 كانت مساهمة قطاع النقل والاتصالات 1,7 في المائة في الناتج المحلي الاجمالي فيما كانت مساهمة قطاع المباني والخدمات 5,7 في المائة اما التربية والتعليم فكانت مساهمتها 0,69 في المائة فيما بلغت نسبة تدفقات الاستثمار الاجنبي الى العراق 2,2 في المائة من اجمالي استثمارات غرب اسيا مقارنة ب50 في المائة مساهمات للسعودية رغم تشابه المناخ الاقتصادي بين الدولتين . والوفرة المالية في السعودية وهي بعمومها نسب متواضعة لا تبشر بالانفراج .
ويمكن القول ان سوء الادارة والفساد والجهل على مستوى المركز والاطراف هو التحدي الاكبر لجذب الاستثمار وتوسيعه بل والسبب الأرأس في هروبه فعلى سبيل المثال لا الحصر في محافظة البصرة كشف الستار عن هروب خمس شركات استثمارية بعد ان استلمت مستحقاتها كاملة دون ان تنفذ التزاماتها التعاقدية بإكمال المشاريع الخاصة بالخدمات والبنى التحتية، وتقف وراءها جهات سياسية نافذة وشركات اخرى لم تنجز ما بذمتها من تعهدات وأتيح لها الانتقال الى محافظات اخرى لتمارس الافعال نفسها دون رقيب او حسيب تاركة وراءها انشاء قناة ري من شط العرب ناقصة ومدينة سكنية تحت الانشاء وبناء شبكة للمجاري والصرف الصحي في قضاء المدينة والخلاصة فان عدد المشاريع المتلكئة في البصرة وحدها 233 مشروعا وفي بابل 262 مشروعا وهكذا دواليك في بقية المحافظات .
ويبدوان هذا الفشل المتراكم في مسار عملية الاستثمار واستمرار اسبابه لم يوفر الدرس والعبرة للجهات الحكومية المتشبثة بدعوة الشركات العالمية للاستثمار فان وزارة التجارة دعت الشركات الهندية الى المساهمة في حملة الاعمار والمشاركة مع القطاع الخاص كما ان المحافظات تنحا النهج ذاته في دعوة الشركات كل ذلك يجري في ظل البيئة الطاردة للاستثمار نفسها التي حالت طيلة الفترة الماضية دون تحقيق اي تقدم في مجال التنمية وخفض نسبة البطالة وتعظيم الموارد المالية .
اننا نعتقد ان حل عقدة الاستثمار يكمن في انتهاج الحكومة الجديدة خطا اقتصاديا وسياسيا مغايرا لنهج الحكومات السابقة ومثل هذا النهج يستلزم منظومة من الاجراءات بطريقة مختلفة في ادارة الاقتصاد وفي ذلك نرى ما يلي :
1. معالجة الضعف المؤسسي في ادارة العملية الاستثمارية عبر إسناد المهمة الى اصحاب الخبرة والكفاءة المعروفة وقدرتها في ادارة قطاع الاستثمار واعتماد النافذة الواحدة.
2. الحزم في مطاردة الفاسدين الذين يمارسون الابتزاز والضغط على المستثمرين ويتعاملون مع شركات وهمية في اسناد المشاريع ونهب ثروة البلاد عن هذا الطريق .
3. اعادة النظر في السياسة النقدية كي تسهم في عملية التنمية عبر الجهاز المصرفي الاهلي والحكومي بعيدا عن المضاربة ورسم سياسة محفزة للادخار وتوظيفه في عمليات الاستثمار وسحب العملة المكتنزة لدى المواطنين.
4. اعاة النظر في التشريعات الاستثمارية وخاصة قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وقانون الاستثمار في المصافي رقم 64 لسنة 2007 واجراء التعديلات اللازمة عليهما خاصة في ما يتعلق بملكية الارض والشراكة مع القطاعين الحكومي والخاص العراقيين .

عرض مقالات: