في كل عام، وقبل مجيء الشتاء بفترة قصيرة، يتبارى المسؤولون في أمانة بغداد والدوائر الخدمية في سائر المدن والمحافظات العراقية، بإطلاق التصريحات عن الاستعدادات الاستثنائية، والتهيئة الجدية، لمعالجة محنة الأمطار المتوقع سقوطها في فصل الشتاء القادم، وعلى وفق "خطة علمية" استطاعوا بموجبها تسليك المجاري وتنظيفها من آخر حجر فيها، كما أنجزوا المشاريع المتوقفة بسبب غياب التمويل، أو هروب المقاول، وقاموا باستبدال التالفة والمكسورة منها.
والهدف من كل هذه الوعود البراقة هو تطمين المواطنين، خاصة سكان المناطق الشعبية، أنهم سينعمون بشوارع نظيفة خالية من النفايات، ولا أثر لقطرة مطر فيها، وبالتالي عليهم أن يناموا رغداً ولا يفكروا بفيضانات الأعوام السابقة التي ذهبت إلى غير رجعة.
لكن النتيجة (تعرفون بقية المثل الشعبي) وفي أول زخة مطر غرقت الشوارع والبيوت والمحلات، والمدارس والدوائر الحكومية، واتضح أن كل ما قيل بهذا الصدد هو مجرد هواء في شبك ولا جديد على الإطلاق.
هذا السيناريو يتكرر في كل عام، دون أن تكون هناك حلول ولو جزئية، عدا صدى الوعود المستهلكة والرخيصة، ولذلك يتساءل المواطنون الغرقى بحق، أين ذهبت المليارات والأموال الطائلة، التي رصدت على مدى السنوات الماضية لبناء مجارٍ حقيقية، قادرة على تصريف مياه الأمطار، وإنقاذهم من محنة تبدو وكأنها مزمنة، أو أزلية، فضلاً عن ضرورة خزنها للتعويض عن شحتها في دجلة والفرات، بسبب الجارين الكبيرين؟
لقد تبخرت هذه المليارات، وانتقلت إلى جيوب الفاسدين عديمي الضمير كما هو الحال في بقية القطاعات الانتاجية والخدمية.
ربما المطلوب من هؤلاء المسؤولين التفكير الجدي، ببناء سفينة شبيهة بسفينة "نوح" لإيواء الموشكين على الغرق في بحر الوعود الكاذبة، إلى أن يحل الصيف، برفاهه الكهربائي، خاصة وأننا بدأنا بتصدير الكهرباء إلى دول الجوار منذ عام 2013!
والمفارقة المضحكة المبكية أن أموال بنك الرافدين (مبلغ بسيط، فقط 7 مليارات دينار) هي الأخرى أغرقتها مياه الأمطار التي دخلت من خلال الشقوق الكثيرة في الخزائن المصفحة! حسبما تحدث المسؤولون في ذات البنك والمركزي أيضاً.
الحكومات السابقة لم تلتفت إلى معاناة الناس، لا في هذه القضية ولا في غيرها، والأمل معقود الآن بناصية الحكومة الجديدة، لعلها تكون مختلفة بعض الشيء وصادقة في التعامل معهم، لمداواة جراحهم التي تقيحت، وتوفير ما يحتاجون إليه من ماء وكهرباء ومجارٍ وصحة وتعليم وسكن، ووضع حد للفساد السياسي والإداري والمالي، الذي لا يقل خطراً عن الإرهاب، بل هو الوجه الآخر له، فلولاه لما تذيل العراق، قائمة الدول الأكثر سوءاً وفشلاً في العالم.
إنها مسؤولية تاريخية، وفرصة نادرة لإصلاح ما خربه الفاسدون والمزورون وبناء تجربة جديدة، تعيد للشعب العراقي الأمل، وترسم الابتسامة على شفاه أبنائه، عن طريق دفن المحاصصة والطائفية السياسية، وإبعاد رجال الصدفة وعديمي الكفاءة عن مواقع المسؤولية، واستبدالهم بمن هم أهل لذلك، وهم كثيرون جداً في عراقنا المستباح
كل ثلاثاء.. هل يحتاج العراق إلى سفينة نوح جديدة؟
- التفاصيل
- مرتضى عبد الحميد
- آعمدة طریق الشعب
- 1757