اماط التقرير الذي اصدرته هيئة النزاهة ونشرته الصحافة ووسائل الاعلام اللثام عن كثير من الاسئلة المحيرة والمثيرة للجدل في الاوساط الشعبية الواسعة وحتى الرسمية فضلا عن مراكز البحث المعنية بالحقل الاقتصادي ، وسلط الاضواء على الاسباب الكامنة وراء الفشل المريع في تأمين خدمة الكهرباء بالرغم من مرور خمسة عشر عاما على التغيير السياسي.
وفي هذا التقرير تبين حجم الاموال الكبيرة التي انفقت على مشاريع الطاقة والتي تزيد عن 34 تريليون دينار اي ما يعاد 29 مليار دولار للفترة من 2006 حتى عام 2017 والطاقة التصميمية المقدرة للفترة المذكورة ب 33595 ميغا واط الا ان المنتج الفعلي كان 16010 ميغا واط اي اقل من النصف والسؤال المهم اين ذهبت تلك الاموال ؟
لقد كشف التقرير بوضوح عن عمليات الفساد وهدر هذه الاموال في مشاريع ترقيعية بعيدا عن جوهر متطلبات العملية الانتاجية في قطاع الكهرباء وفي المقدمة منها قلة كميات الوقود المجهزة لمحطات التوليد القائمة بسبب ضعف التنسيق بين وزارتي الكهرباء والنفط فضلا عن الفساد الذي شاب عمليات تجهيز الوقود وهو الامر الذي دعا رئيس الوزراء السابق الى اعفاء 8 من المدراء العامين بموجب الامر الديواني الصادر في عام 2015 دون تنفيذ هذا بسبب تحالف الفاسدين المتغلغلين في مفاصل الدولة.
والأمر الآخر الذي يقف وراء الالتفاف على هذه المبالغ الصادمة هو شكل ومحتوى العقود التي ابرمتها وزارة الكهرباء فبعض هذه العقود وخصوصا المتعلقة بتجهيز الوقود كانت تحال الى شركات دون مصادقة لجنة تحليل العطاءات غير ان اكثر هذه العقود هدرا للمال تلك التي تم عقدها مع شركتي سيمنس وجنرال الكتريك ففي هذه العقود تم الاتفاق ان تقوم الشركتان بتجهيز وحدات التوليد على ان تقوم الوزارة بتنظيم عقود مع شركات اخرى تتولى بناء القاعدة التحتية وكل ذلك كان مخالفا للسياقات القانونية المعتادة ولا تزال هذه المكائن مكشوفة في العراء في خور الزبير والسماوة والديوانية تتعرض للأمطار والاتربة وكان المفروض بهذه العقود انتاج 8800 ميغا واط بلغت تكاليفها سبعة مليارات دولار مع العلم ان هذه العقود وافق عليها رئيس الوزراء في حينه ورفضها البرلمان . الم يحن الوقت لمحاسبة المتسببن بهذه الخسائر الفادحة ؟
ان سوء التخطيط يعد من العوامل التي الحقت هدرا كبيرا بالاموال المخصصة لانتاج الطاقة وكان من ابرزها الخطة التي وضعتها وزارة الكهرباء في تشرين الثاني من عام 2006 لمدة عشر سنوات امتدت فيما بعد لعام 2030 وفي ضوئها ابرمت عقود لانشاء محطات غازية بسعة كلية تقدر بـ 16 الف ميغا واط بموافقة مجلس الوزراء وهيئته الاستشارية حملت فشلها بنفسها حين ركزت على محطات توليد غازية تعمل بالدورة البسيطة يمكن ان تتحول لاحقا الى الدورة المركبة مع ادراكهم عدم توفر وقود الغاز.
ان انطلاق وزارة الكهرباء الى أفق ارحب يوجب عليها تنظيف كافة مرافق الوزارة من الفساد والفاسدين والفاشلين في ادائهم بالاضافة الى دراسة شاملة لكافة التحديات ووضع المعالجات المقتضية لها بالتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة ذات العلاقة . ونقترح من بين امور كثيرة ما يلي :
• نظرا للظروف المالية الحالية غير الكافية، بات من الضروري الاعتماد على المحطات الحرارية قليلة الكلفة كأولوية لتوليد الطاقة دون اهمال المضي في التخطيط لاستيراد الطاقة المتجددة .
• ربط استراتيجيات انتاج الطاقة الكهربائية بالاستراتيجيات التنموية وسياساتها ومتابعة تحقيق قدر اعلى من التكامل بين هذه الاستراتيجيات .
• تصحيح اليات بناء المدن وقوانين البناء وفقا للتصاميم التي يتوجب ان تضعها الدولة بما يتماهى مع التصاميم العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار مواصفات العزل الحراري لتخفيض مستوى استهلاك الطاقة الكهربائية واعادة النظر في استيراد الاجهزة الكهربائية الاقتصادية في استهلاك الطاقة.
• التنسيق الكامل بين وزارتي الكهرباء والنفط ووضع الخطط لتجهيز محطات الكهرباء بما تحتاج من الوقود اللازم ووضع هذه الخطط المهمة ضمن استراتيجيات انتاج النفط والغازبعيدا عن تبادل التهم.

عرض مقالات: