تذكرت المقولة الشهيرة من أن التاريخ قد يعيد نفسه، ولكن في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة، وأنا أستمع لمسؤول كبير من دولة مجاورة، وهو يعلن جهاراً وفي بغداد وأمام مجموعة من حكام البلاد وبجوار علم الدولة التي يفترض بإنها مستقلة وديمقراطية يضمن دستورها التداول السلمي للسلطة، بأن "الصحوة الاسلامية" لن تسمح للشيوعيين والليبراليين بالعودة للحكم في العراق (لا أدري متى حكموا؟!).
ففي الوقت الذي تخبرنا فيه سنوات الحكم الملكي، عن الحرص الشديد الذي طالما أبداه المندوب السامي البريطاني ليخفي دوره في إدارة شؤون البلاد، يكشف لنا المندوب السامي الجديد عن حاجته لأن يتعلم بصبر وتواضع من لياقة الشياطين الكبار، حتى لا يُسقط ما تبقى من أوراق التوت التي يتستر بها ديمقراطيو العراق الجديد، ويوقعهم في حرج التناقض بين ما صّدعوا به رؤوسنا عن الحرية والديمقراطية وبين ما يُلقى على مسامعهم من إطروحات إستبدادية وتدخلات فظة في شؤون بلاد يحكمونها هم، نظرياً على الأقل، وفي فترة يجري التحضير فيها لإنتخابات يشارك فيها الممنوعون من الحكم بأمر السيد المندوب!
كما خانت اللياقة والحكمة المندوب السامي الجديد مرة أخرى، فأفصح عن داعشيته، حين أعلن عن تكفير قطاع واسع من أبناء العراق، وفي ذات الوقت الذي يحتفل فيه العراقيون بالإنتصار على الدواعش التكفيريين، مستذكراً تاريخاً سعى الجميع اليوم لطي صفحاته، والتركيز على المشتركات التي تُعلي الهوية الوطنية الجامعة، وتصون السيادة وتحّرم إراقة دم أي مواطن، وتوفر تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وتضمن الحريات العامة والخاصة، وتكافح الفساد وتحمي الثروة الوطنية وتستثمرها لخدمة جميع العراقيين. تلك المشتركات التي يحتاج السيد المندوب أن يتعلمها كي يرضى عنه شعبه ويكف عن مقاومته وكي لا تنهار عملته ويتحطم إقتصاده المتعب.
لقد أكد أغلب المدنيين والديمقراطيين والإسلاميين العراقيين مراراً على أهمية إقامة أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع جميع دول الجوار، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإشترطوا لذلك عدم السماح لأحد مهما كان بالتدخل في شؤوننا الداخلية. ويتطلب تكرار الإفصاح عن هذه التدخلات الفظة، أكثر من أي وقت مضى، إعلان الجميع رفضهم واستنكارهم لها، فمن يرتضي ذلك لا يخون البلاد فحسب، بل ونفسه ايضا. ولن يرحم التاريخ ابدا من يتلكأ في الدفاع عن سيادة بلده وحرية شعبه، مهما كانت المبررات!

عرض مقالات: