يحتل الانفاق الحكومي اهمية خاصة في السياسة الاقتصادية والادارة المالية للدولة حيث تستهدف الحكومة منها تحقيق ما تخطط له في استراتيجياتها التنموية بعيدة المدى او قصيرتها وفي موازناتها السنوية للنهوض بالاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية وتخطي حواجز الخلل والانكماش وتقديم الخدمات الاساسية للمواطنين ولكافة انشطة الدولة في القطاعات كافة.
ان المتابعين للشأن الاقتصادي قد ادركوا بالتحليل ان النفقات الكتلوية لم تحقق اهدافها وهذا الفشل البين في ادارة النفقات الحكومية لم يأت من فراغ اذا اخذنا بالحساب مقدار المبالغ الكبيرة المنفقة منذ عام 2003 التي تم هدرها عن قصد وسبق اصرار للقوى المتنفذة التي حكمت العراق. فقد بينت المعطيات الرسمية ان مجموع الايرادات للعملة الاجنبية للفترة من 2005 وحتى عام 2017 قد بلغت اكثر من 706 مليار دولار انفق منها اكثر من 703،11 مليار دولار والبقية تم تدويره الى رصيد افتتاحي لحساب وزارة المالية في بداية عام 2018.
وخلال هذه الفترة شهدت الموازنات السنوية ارتفاعا غير معهود في مبالغها المالية وزيادة على ذلك فقد كانت نسبة المنفق من الايرادات المالية الاجنبية 99،5 في المائة من حجم الايرادات الكلي فضلا عن ذلك بلغ حجم التنفيذ المالي للموازنات السنوية 489 مليار دولار ما نسبته 69،5 ناهيك عن المنفق على الاستيرادات الحكومية وعقود التراخيص والمدفوعات العسكرية وخدمة الديون الاجنبية.
والسؤال المحوري في هذا المجال هو لماذا لم تعط هذه الارقام الفلكية نتائج ايجابية ملموسة على المستووين الاقتصادي والاجتماعي وهل المشكلة في صحة هذه الارقام ام في طريقة انفاقها؟ ان معظم الابحاث الاقتصادية اشارت الى ان الاسباب التي تقف وراء هذه الخيبة الكبرى يمكن ايجازها في عدم مرونة قطاع الانتاج للتجاوب مع هذا الكم الهائل من الانفاق بالاضافة الى معدلات التضخم العالية الناجمة عن زيادة حجم الانفاق نتيجة للسياسات المالية والنقدية التي تتمظهر في زيادة عرض النقد وسوء الادارة المالية والنقدية في آن، بالاضافة الى هيكل الانفاق الذي يتركز معظمه في الانفاق الاستهلاكي الحكومي والخاص وقلة الانفاق الاستثماري الذي تشير الاحصائيات الى انه لا يزيد عن 31 في المائة من الانفاق الكلي غير ان السبب الأرأس الذي يقف في مقدمة هذه الاسباب جميعها هو عمليات الفساد والهدر المالي الكبير اللذين هيأ لهما نظام المحاصصة المقيت، البيئة المنعشة لانتشاره في كل مفاصل الدولة واجهزتها الحكومية.
اننا نعتقد ان المهمة الاساسية امام الحكومة القادمة تتلخص في اخذ كل هذه الحقائق وما يتوافر لديها بعين الاعتبار في برنامجها القادم مع ما يتطلبه ذلك من دعم الاجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية كافة في عملية مشتركة ومتسقة يتحمل الجميع مسؤوليتها كمنظومة واحدة. وفي هذا المجال نرى ما يلي:
1.
زيادة الانفاق الموجه الى الانشطة التي تساهم مباشرة في تنويع الاقتصاد الوطني سواء من خلال الخطط الاستراتيجية او الموازنات السنوية وخاصة تنمية القطاعات السلعية توخيا لتحقيق معدلات تنمية مشجعة وجعل الجهاز الانتاجي ذا مرونة تستجيب مع حجم الانفاق توطئة لخفض معدلات التضخم.
2.
السعي الجاد وغير المتردد في مكافحة الفساد الحكومي وابعاد الفاسدين عن الجهاز الحكومي ومواجهة الضغوطات التي تمارسها بعض الكتل السياسية بحزم وتعبئة الاجهزة الرقابية كلها مع التعبئة الجماهيرية في رصد عمليات الفساد وتشخيص الفاسدين باعتبارها قضية رأي عام. وتفعيل الجهاز القضائي في هذا المجال.
3.
اعادة النظر في بنية الانفاق الحكومي ومعالجة ظاهرة التضخم الوظيفي في مختلف المستويات وخاصة العليا على اساس التوصيف الوظيفي وتوحيد الرواتب والحاجة الماسة للكادر الوظيفي المؤهل والمناسب للدرجة الوظيفية الشاغرة.
4.
استخدام الفوائض المالية في الانفاق على تنمية البنى التحتية وتحسين التعليم والصحة لما لها من فاعلية في مردوداتها الاجتماعية والعمل على انشاء صناديق الثروة السيادية في ضوء التجربة العالمية.

عرض مقالات: