يلاحظ ان تسمية الرئاسات الثلاث تمت بسلاسة ملحوظة، وابتعدت بحدود معينة عن السياقات التقليدية السابقة ، بغض النظر عن كل الملابسات والتعقيدات والثغرات ، وما تركت من غضاضات هنا وهناك . وكان يمكن لهذا ان يكون انجازا باهرا خارقا، لو جرى تجاوز ما يراد له ان يكرس عرفا سياسيا ، وليس دستوريا ، باعتبار هذه المواقع المهمة والأساسية في الدولة العراقية حصصا مكتسبة لمكونات معينة .
ومن دون الاستغراق في الخيال وإسقاط الرغبات على واقع معقد ومتشابك تحيط به تقاطعات مصالح خارجية مؤثرة ، يمكن القول ان تجاوز ذلك مرتبط الى حدود كبيرة بمدى قدرة الكتل السياسية نفسها على التخلي الفعلي عن المحاصصة والطائفية السياسية ، ومن باب أوْلى مدى قدرتها هي على ان تخرج كليا من عباءة هذا التقسيم المكوناتي الثلاثي ، وان تكون وطنية حقا وتجسد المواطنة العراقية في البرنامج والتكوين.
كذلك هو مرتبط بإمكانية تغيير موازين القوى على نحو ملحوظ وحاسم ، لصالح دعاة عُلوية مبدأ المواطنة العراقية فوق كل التسميات والعناوين الفرعية ، التي تبقى لها في كل الأحوال خصوصيتها ولكن في مكانها الطبيعي ، في ظل وجود دولة لها هيبتها وحرص على احترام القانون والمؤسسات ، وان تكون فعلا وقولا لكل العراقيين.
على ان ما حصل حتى الان من تجاوز وعبور لما اعتبر مسلمات لا تمس ، هو من دون شك خطوات لها دلالاتها ، ومن الصعوبة الاستهانة بها او التقليل من شأنها ، فيما المطلوب هو التوجه نحو التأسيس عليها والعمل المتواصل لتهيئة مستلزمات التغيير المبتغى والمرتجى ، والذي يتوجب ان يوضع في سياقه السليم كونه عملية نضالية تراكمية ، لا يتوجب ان يتسرب اليأس والقنوط الى العاملين الحقيقيين من اجله .
على ان هذه المتغيرات والإرهاصات النسبية يتوجب ان ينظر اليها في سياق عملية متكاملة. وان ظهور نتائجها الإيجابية يرتبط من جانب آخر بمدى تحويل الوعود والبرامج الى افعال ملموسة تحسها الناس وتلمسها ، وهو ما يستدعي مواصلة العمل والضغط لتحقيقه بمختلف الأشكال والوسائل السلمية والقانونية والدستورية والبرلمانية.
وفِي هذه السياق يأتي تشكيل الحكومة الجديدة حلقة مهمة في إطار المهام الدستورية التي يضطلع بها رئيس مجلس الوزراء والوزراء. ومن هنا اهمية التشديد على ان يأتي برنامجها وطاقمها في مستوى التحديات الكبيرة التي تواجه البلد ، وما عليها ان تنهض به من اجل إنجاز اصلاح حقيقي مطلوب ومهام كبيرة ، وتحقيق ذلك في فترات زمنية قياسية، وان تقوم بمعالجة آنية لبؤر اختناق عديدة وفِي الصدارة تأتي الاستجابة الكاملة ، من دون تردد او إبطاء لأي عذر او تبرير ، للمطالب العادلة التي رفعتها وترفعها الحركات الاحتجاجية ، خاصة منها ما شهدته البصرة ، كذلك العمل الحثيث على الفكاك من كماشة " الدولة العميقة" وفوضى انتشار السلاح .
فتشكيل الحكومة في ظروفنا الحالية يتطلب الكثير من التأني والتمحيص ، وان لا يكون تحصيل حاصل وإسقاط رقمي لحجوم الكتل السياسية التي عليها ان تدرك جيدا ان اوضاع البلد الداخلية المحتقنة ، وما يحيط بها من متغيرات حادة وخطرة، إقليمية ودولية ، تتطلب منها الكثير من الواقعية والمراجعة الشاملة لمواقفها ، باتجاه اعلاء ما هو وطني عام على ما هو خاص يتسم بالأنانية وتغليب المصالح الخاصة والكسب الضيق.
وفِي كل الأحوال سيبقى المنجز الملموس المتحقق في الرئاسات الثلاث هو المحك والمعيار وعليه القياس والتقويم .

عرض مقالات: