تشكل الزراعة في اي بلد ، وعند منظمات الامم المتحدة ، المصدر الاساسي لضمان الامن الغذائي ، واحد اهم الانشطة الاقتصادية الرئيسة التي تسهم في عملية التنمية المستدامة وفي تنويع الاقتصاد وتخفيف نسب الفقر وتحسين الميزان التجاري وتفاعلها مع معظم قطاعات الاقتصاد الوطني .
وعلى هذا الاساس فقد أكدت الخطط الاستراتيجية الخمسية ولعقود من الزمن على تنشيط القطاع الزراعي غير ان الواقع يشير الى ان ما تحقق من هذه الخطط بعد عام 2003 لم يكن سوى ارقاما بائسة . فمثلا كانت نسبة مساهمة القطاع الزراعي في عام 2004 قد بلغت ( 5 ) في المائة من الانتاج المحلي الاجمالي ثم هبطت الى (3) في المائة في عام 2010 فيما كانت التخصيصات الاستثمارية في عام 2010 18,7 في المائة لكنها انخفضت الى (4) في المائة عام 2015 وانخفضت الى (1,2 ) من الموازنة الاتحادية في نفس العام .
بيد ان وزارة التخطيط قد اضافت بيانات اخرى تؤكد استمرار منحنى الانتاج في هذا القطاع في الانخفاض مبينة انحسار الانتاج من الحنطة من 2974 الف طن في عام 2017 الى 2178 الف طن في عام 2018 اي بنسبة 26 في المائة كما ان مساحة الارض الزراعية انخفضت من 4216 الف دونم عام 2017 الى 3154 الف طن في عام 2018 اي بنسبة 25 في المائة . وبنفس الوتيرة انخفض انتاج الشعير من (303) الف طن في عام 2017 الى 191 الف طن في عام 2018 اي بنسبة (37) في المائة فيما انخفضت المساحة المزروعة من الشعير من 820 الف طن في عام 2017 الى (601 )الف طن في عام 2018 اَي بنسبة 27 في المائة .
ومن دون شك فان هذا التدهور لم يتسبب عن العوامل الطبيعية كقلة الامطار وظاهرة الجفاف التي تعرض اليها العديد من البلدان وانما الى جانب هذه العوامل تقف عوامل وضعية فالإدارة الحكومية وسياستها في هذا القطاع لم تكن بمستوى اهميته فقد اتسمت بالاهمال وركزت جل اهتمامها على الاعتماد على موارد النفط كمصدر رئيس للتمويل وتوقفت معظم المشاريع والتوجهات التي كانت سائدة من قبل في دعم الفلاحين بمتطلبات النشاط الزراعي من البذور والاسمدة وعمليات استصلاح الاراضي وادخال المكننة على نطاق واسع ، فضلا عن فتح ابواب الاستيراد المنفلت . وظل المنتج الزراعي بدون حماية مقتصرا على التوجيهات المكتوبة فقط ولعل شح المياه الذي لاحت بوادره الخطيرة منذ عشرات السنين لم يحفز الحكومات المتعاقبة للتعامل مع هذه الاشكالية مع دول الجوار بما ينبغي له من الاهتمام ولهذا اندفعت دول المنبع الى بناء عشرات السدود امام ناظري حكوماتنا بكل استخفاف. . كل تلك العوامل شكلت تحديا خطير امام الامن الغذائي مما يولد ضغطا كبيرا على الموازنات السنوية حتى اصبحت الفجوة بين المتوفر من الغذاء والحاجة اليه (1,6 ) مليار دولار سنويا ومن الممكن ان تصل خلال عشر سنوات الى 40 مليار دولار .
ان الحكومة العراقية القادمة وهي تنطلق من هذه الحقائق مدعوة لاختيار نهج جديد في رسم السياسة الزراعية بوصفها جزءا من السياسة الاقتصادية الكلية بوضع استراتيجية علمية واقعية تأخذ في الاعتبار ما يلي :
• التنسيق التام بين وزارات التخطيط والزراعة والموارد المائية والخارجية بوضع خطط ملموسة لمعالجة ايقاف التصحر وابرام اتفاقيات مع دول المنبع لضمان الحصة المائية وتنظيم ادارة المياه وتوزيعها على جميع المحافظات بدون تجاوز .
• توفير البذور والاسمدة مدعومة الاسعار للفلاحين وتسديد ديون المزارعين وتمكينهم من استغلال اراضيهم وادخال المكننة الحديثة في الانتاج عبر تسهيل الاستثمار في القطاع الزراعي وتوفير التخصيصات المالية الكافية للاستثمار في القطاع الزراعي عبر التسهيلات الائتمانية .
• ادخال البرامج الحديثة في عملية الاستزراع والعمل على ادخال التكنولوجية بصورة تدريجية مخططة واستكمال توفير البيئة التكنولوجية وتحقيق التكامل بين الزراعة والصناعة لتحويل المنتجات الزراعية الى بضائع استهلاكية قابلة للتصدير والمنافسة في الاسواق العالمية .

عرض مقالات: