يتميز الاقتصاد العراقي بأنه اقتصاد ريعي استهلاكي استيرادي بامتياز يعتمد كليا على تصدير النفط الخام وعائدات بيعه في الاسواق العالمية والتي هي المصدر الرئيس لاقتصاد البلاد. وقد ساهم الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب تاريخيا في تدعيم تسلط السلطة وتعطيل المشاركة السياسية والتطور الديمقراطي للبلاد حيث تركز الانفاق العام على تأسيس وتحديث الاجهزة القمعية للدولة لتأمين استمرار النظام الحاكم والتصدي لأي قوى مناوئة يمكن أن تشكل تحديا قائما للنظام القائم.
ان الاعتماد على مصدر وحيد مثل النفط يكشف عن ضعف الدولة والتخطيط حيث ان اسعار النفط متقلبة بين الارتفاع والهبوط وهي غير مستقرة وتتأثر بالأسواق العالمية كما يجري الان حيث تعاني البلاد بسبب انخفاض اسعار النفط في الأسواق العالمية من ازمة اقتصادية حادة. ولم تفعل الحكومات المتعاقبة منذ التغيير في 2003 والى اليوم اي شيء لإيجاد مصادر اخرى للدخل القومي وتفعيل القطاعات الاقتصادية غير النفطية, اذ تم تهميش الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات الاقتصادية, فالزراعة في العراق تعاني التخلف وينظر اليها كقطاع ثانوي وتحول العراق من منتج الى مستورد لسلة غذائه من الدول المجاورة والدول الأخرى. اما الصناعة فهي ميتة ما عدا بعض الصناعات الاستهلاكية الصغيرة, ولم يكن هناك اي طموح للقوى المتنفذة الحاكمة بتحويل البلد الى بلد صناعي متقدم على الرغم من توفر مقومات الصناعة في العراق وذلك لانعدام الرؤى الاقتصادية والاستراتيجية ولتفشي الفساد الاداري والمالي والاقتصادي. اما بالنسبة لقطاع السياحة فالعراق بلد متعدد المواقع الأثرية والتاريخية الى جانب المواقع الدينية, ويحتاج هذا القطاع الى الدعم والارتقاء به بشقيه الديني والتاريخي وجعله مركز جذب للسائحين من مختلف انحاء العالم. فالاقتصاد العراقي يعد من الاقتصادات الهشة اذ يعاني من مشاكل كثيرة كالبطالة والفقر والعجز المالي والدين الخارجي الضخم وانخفاض اجمالي الاحتياطيات الرسمية وضعف البنى التحتية بسبب عدم اتباع السياسات السليمة التي تمنع او تحد من تلك المشاكل وهيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي وريعية الاقتصاد العراقي. فالدولة على الرغم من تبنيها لفلسفة جديدة في الدستور العراقي ضمن المادة (112) ثانيا (( تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار)), الا انها ما زالت بعيدة عن تحقيق هذا الأمر حيث ما زالت تهيمن على النشاط الاقتصادي وما زالت تعتمد على النفط بشكل كبير جدا في تمويل النشاط الاقتصادي ولم تحسن ادارة النفط والاقتصاد ولم تنصف حقوق الشعب من النفط على الرغم من ان الدستور قد اشار ايضا ضمن المادة (112) اولا : (( تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون )). فهل تحقق ذلك؟؟؟
من المشاكل الاقتصادية المستفحلة والتي عجزت كل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم عن حلها والتي ادت الى انتفاضة الجماهير الشعبية في مختلف المدن العراقية والتي عبرت عن معاناتها والتي واجهتها الحكومة الحالية ( خلافا للديمقراطية التي تدعيها وخلافا للدستور العراقي ) بالقمع والرصاص الحي وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات وملاحقة واعتقال الناشطين المدنيين واغتيالات المحامين وغيرهم:
1) البطالة : استفحلت البطالة بشكل كبير جدا وبأشكالها كافة وشمولها لأصحاب الشهادات العليا وخريجي الكليات والمعاهد وغيرهم وقد اختلفت الاحصائيات بشأنها ولكنها تتراوح بين 25 – 40 في المائة وهذه نسبة كبيرة جدا حيث ان المسموح بها اقتصاديا ينبغي ان لا تتجاوز الـ 5 في المائة, وقد وقفت كل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 عاجزة امام هذه المشكلة المتفاقمة.
2) الفقر: حسب احصاءات وزارة التخطيط فإن حجم الفقر في العراق قد ازداد الى 30 في المائة عام 2016 بسبب انخفاض اسعار النفط واحتلال داعش الارهابي لمناطق عديدة من العراق والتي تم تحريرها ولكنها ما زالت تعاني. وعلى الرغم من غنى العراق بثرواته الطبيعية الا انه من اكثر البلدان فقرا بسبب سوء الادارة وتفشي الفساد بكافة اشكاله واعتماد نظام المحاصصة سيئ الصيت.
3) عجز الموازنة العامة: حيث سجلت الموازنة عجزا كبيرا اذ بلغ 13,6 مليار دولار عام 2013 و22,6 مليار دولار عام 2016 وبلغ عام (2017) 21 مليار دولار و10,6 مليار دولار عام 2018 ويتم تغطية هذا العجز عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي, ويعتبر الدين الخارجي للعراق في حالة تراكمه يشكل خطرا على العراق.
4) الدين الخارجي الاجمالي: اذ ارتفعت نسبة الدين الخارجي للعراق بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي وقد لجأ العراق في السنوات الأخيرة الى القروض الخارجية لمواجهة العجز في موازنته من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واللذين يحاولان فرض شروطهما ووصفتهما الجاهزة التي ينبغي على العراق تطبيقها مقابل حصوله على القروض وهذا ما يربك اقتصاد البلاد ويجعله خاضعا لأجندات اجنبية تمس السيادة.
5) انخفاض اجمالي الاحتياطيات الرسمية: حيث اخذت بالانخفاض من ( 66,7 ) مليار دولار عام 2014 الى (42,4 ) مليار دولار عام 2016 وفقا لتقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2016 وهذا يشير الى وجود مشكلة في الاقتصاد تستنزف هذا الاحتياطي الذي ينبغي زيادته وليس نقصانه ليستخدم في الأوقات الحرجة .
6) انهيار البنى التحتية: ان وجود بنى تحتية قوية من طرق مواصلات ووسائل اتصال وطاقة كهربائية وتقنيات الانتاج وغيرها , يعد عاملا مهما لإمكانية تحقيق التطور الاقتصادي. وفي العراق وبسبب الظروف التي مر بها فقد انخفضت نسبة تخصيصات النفقات الاستثمارية من النفقات الحكومية الاجمالية للعراق والمعروف ان هذه النفقات هي التي تخصص لأغراض تطوير البنية التحتية للبلد . وتتميز موازنات العراق بارتفاع نسبة النفقات الاستهلاكية على النفقات الاستثمارية مما ينعكس سلبا على البنى التحتية .
7) الفساد المالي والاداري: والذي يعتبر من الآفات الكبيرة التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية- الاجتماعية وتؤدي الى نخر الاقتصاد من الداخل وبالتالي انهياره السريع, وقد احتل العراق حسب منظمة الشفافية الدولية المراتب الأولى من بين الدول الأكثر فسادا, ولم تتمكن كل الحكومات المتعاقبة من معالجة الفساد ووضع حد له بل بالعكس استفحل لينتشر في معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية في ظل عجز الحكومة وعدم تمكنها من تنفيذ وعودها في مكافحة الفساد.. وكان موضوع مكافحة الفساد وتقديم كبار الفاسدين للمحاكمة احد مطالب الجماهير الشعبية.
8) التضخم: اي انخفاض القوة الشرائية للنقود او زيادة اسعار السلع والخدمات وهو في ارتفاع.
ان مشكلات الاقتصاد العراقي لم تكن وليدة اليوم بل انها ترجع الى تراكمات تمتد الى عقود من الزمن وساعد عل تعميقها هبوط اسعار النفط ونظام المحاصصة المقيت. ان مشكلات الاقتصاد العراقي هي مشكلات بنيوية كبيرة اسهمت في ايجاد هذا العجز الحاصل الان في الموازنة الاتحادية. ولابد من ايجاد السبل لتطوير الاقتصاد العراقي والانتقال به من اقتصاد مشوه الى اقتصاد متطور . وان حالة العجز في الموازنة لا تنفصل عن مشكلات النظام الاقتصادي في البلد التي تتمثل بالاعتماد على النفط كمورد احادي لموازنة الدولة واهمال القطاعات الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة التي تمثل موارد مهمة للبلد والتي يمكن ان تحول البلد الى جانب النفط الى بلد منتج ومصدر وليس مستهلك فقط لو احسن ادارتها. ومن الضروري في هذا المجال وضع الحلول الجذرية وليس الترقيعية كما يجري الان والحلول غير الواقعية التي يشوبها الفساد والتي عززت ملامح التمييز الطبقي بين المواطن والمسؤول الذي ضمن منافعه الاجتماعية وامتيازاته. ولابد من اصلاح اوضاع القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية والسياحية بشكل كامل بحيث تصبح ايراداتها موازية للإيرادات النفطية وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي وان بناء اقتصاد لا يعتمد على النفط وحده سيضاعف ثروات البلاد.
ولغرض وضع حد لتدهور الاقتصاد العراقي والنهوض به فمن الضروري:
1) العمل على تطبيق ما جاء في الدستور بشكل جدي وحقيقي من خلال تحويل دور الدولة من الهيمنة في ادارة النشاط الاقتصادي الى مشاركة القطاع الخاص والدخول معه في استثمارات لتحفيز وتشجيع القطاع الخاص.
2) الخلاص من الصفة الاحادية للاقتصاد العراقي الريعي والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي وتفعيل الصناعة والزراعة والسياحة والضرائب العادلة التصاعدية ولا بد من ادارة الايرادات النفطية بالشكل السليم الذي يضمن تحقيق التنويع الاقتصادي.
3) توفير الارادة السياسية الحازمة في تبني برامج الاصلاح والقادرة على تحقيق الكفاءة الاقتصادية وسيادة القانون.
4) اعتماد الخبرات والمهارات العراقية في تحقيق الاصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة.
5) اصلاح الأطر التشريعية والقانونية لتنظيم عمل الأسواق المالية وتنظيم التجارة الداخلية والخارجية..
6) توجيه العوائد النفطية نحو الاستثمار والتنمية وتطوير المشاريع القائمة.
7) النهوض بالقطاع الزراعي والسعي لإعمار الريف العراقي.
8) الوقوف بوجه الخصخصة حسب توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين حيث ان الخصخصة غير قادرة على حل مشكلات اقتصاد البلاد, ولابد من التعاون بين القطاع العام والخاص والتعاوني والمختلط للنهوض بالاقتصاد العراقي وتحقيق التقدم الاقتصادي – الاجتماعي .
9) ضرورة محاربة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي ودعم المؤسسات الرقابية .
10) اصلاح النظام المصرفي بشقيه الحكومي والخاص ومكافحة عمليات غسيل الأموال.
11) تفعيل الضريبة التصاعدية العادلة واعتبارها موردا مهما لدعم موازنة الدولة .
12) حل مشكلة السكن وتأمين الحياة الكريمة لجميع المواطنين.
13) توفير فرص العمل ومكافحة البطالة بكافة اشكالها .
14) الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تخلق طاقات انتاجية وفرص عمل تساهم في نقل خبرات ومعارف تكنولوجية وادارية.
15) وضع حد لسياسة اغراق السوق العراقية بالمنتجات الزراعية والصناعية المختلفة خاصة تلك التي يوجد لها مثيل محلي .
16) تطبيق قانون الخدمة المدنية فيما يتعلق بتوظيف المواطنين استنادا الى الشهادة والخبرة بعيدا عن المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية.