تضج الساحة السياسية العراقية بتزايد الاعلانات عن قيام تحالفات ومحاور حزبية على الاغلب ذات صبغة طائفية، ويلمس في نهاية مطافها انها تهدف تشكيل الكتلة الاكبر، التي تشكل هي الاخرى الحكومة العراقية المقبلة. ويتوازى معها طرديا ترقب ساخن، يستمد فعله من زخم الحراك الشعبي في الشارع. ولكن في الجانب الاخر يبدو التحرك السياسي شبيها بافلام الصور المتحركة، او اداءً لمسرحية من نمط " اللا معقول "، وخلاصة القول يمكن تسميته بسمسرة سياسية دنيئة لبيع وشراء الذمم. هذه الحال تدعو للتأمل لاسيما بتلك الاصطفافات السياسية التي تحصل بين قوى قومية، كانت بالامس متناحرة " شوفينية " ضد بعضها عرباً وكرداً. فهل اصبح سوق السياسة يستوعب بيع القضايا المصيرية والمبادئ التي طالما جرى التقاتل والتضحية في سبيلها بلا حدود، تصبح سلعة للمقايضة بمواقع السلطة والنفوذ ؟!!.

   لابد ان تُقرأ اللوحة السياسية العراقية ببالغ الاهتمام. نعم يلزمنا ذلك للكشف عن خشية ورعب تلك القوى الفاسد الفاشلة المتكالبة، التي تدفعها الى التسارع للتحالف بغية قطع الطريق امام قوى التغيير والاصلاح الذي يعني اول مايعنيه نهاية هذه القوى، بل وسيحدد مكانها في السجون اذا لم يكن في القبور. لنعود الى الوراء قليلاً الى سلوك المقبور صدام حينما استلم السلطة قرر ان يستقطع جزأ من واردات العراق النفطية " 5% " ويضعها بحساب خاص لحزبه، وعندما سُئل عن سبب ذلك قال { اذا ما اخرجنا من السلطة حينها تكون لدينا امكانية مالية نستخدمها للعودة الى الحكم،.. ربّاط حديثنا هنا، ان الاحزاب التي حكمت العراق منذ عام 2003  اتبعت منذ يومها الاول في السلطة نهج صدام فكان النهب والاستحوال على المال العام هو مبدأهم الغالب، واليوم يتجلى بصورة صارخة في توجه القوى السياسية من الاحزاب الفاسد لمحاولة العودة عبر شراء الذمم ومقاعد النواب ودفع الرشى، التي وصل سعر المقعد الى "200"مليون دينار عراقي،  وقطعاً من ذلك المال العام المنهوب والمكرس اصلاً لمثل هذا اليوم الذي ينبئ بنهاية قاسية لهؤلاء السرّاق.

            اما فعل نهج المحاصصة ومدى تاثيره على محاصرة مخاض الكتلة الاكبر فقد وصل الى احباط حتى ضغوط العامل الامريكي، الذي كان غالباً ما " يدير ظهر المجن "، ويلي عنق جموح حلفائه وترويضهم، الا انه تحت زخم وتأثير قانون السوق السياسي في عراقنا اليوم" العرض والطلب " يؤشر الى تراجع تأثيره ازاء فعل الضغط الاقليمي، المالي والمذهبي، الداعم للقوى التي تخشى التغيير، ربيبة نهج المحاصصة. ان الترقب الذي يسود المناخ السياسي العراقي تبدو ابرز ملامحه شبيهة بلعبة "جر الحبل" الجارية على اشدها، لاسيما بعد مصادقة المحكمة الاتحادية لنتائج الانتخابات. حيث يعتمل بين الضغوط الاقليمية، ايران وقطر، من جانب والضغط الامريكي من جانب اخر، وان الغلبة ستتجلى وتكون لمن، عندما تفرض حالها التوقيتات الدستورية، وحينها لم يبق مناص للافلات من موجباتها.

           ان انحطاط الوضع الى درك كارثي من شأنه قد حفز قوى التغيير  بغية النهوض بمسؤليتها السياسية والوطنية، حتى وان كانت من تحت الرماد ، كالعنقاء، مع انها هي شعلة النارالمضيئة والامل المتبقي. ولا نذهب بعيداً في تأملنا هذا انما الحقيقة مجسدة في الحراك الشعبي الديمقراطي المدني، الذي تبلور شامخاً عبر ساحات الاحتجاج في كتلة " سائرون " التي كسبت الاصوات الاكثر عدداً. لذلك نرى قوى الفساد والمحاصصة تحاول وهي غارقة بالوهم حتى النخاع لايجاد سبيل للافلات من يوم الحساب على يد قوى التغيير والاصلاح في" سائرون " وحلفائها من القوى الوطنية والاسلامية الخيرة التي جعلت وضع البلاد المنهار تحت السيطرة، ان الايام القليلة القادمة سيعلن فيها اندحار قوى الفساد  مسجلاً للتاريخ انقاذ العراق من كارثة الضياع والازمات الخانقة.

عرض مقالات: