لقد دللت تجربة الخمس عشرة سنة من نهج المحاصصة البغيض انها لم تجلب غير الكوارث والمعاناة لشعبنا ووطننا، لقد صبر شعبنا طويلا على هؤلاء المتنفذين الفاسدين الذين لم يكن همهم غير النهب المبرمج وفق آليات اعدت لذلك وبحرفية عالية من خلال نشر حواضن الفساد ومافياتها، في كل مؤسسات الدولة مغطاة وبحماية من المتنفذين.

 

نظام المحاصصة الطائفي القومي  الذي اوغل متنفذوه بالفساد  على حساب رغيف خبز الكادحين، اصبح لا يطاق من قبل كادحي شعبنا و فقرائه الجياع ، وهذا ما برهنت عليه الانتخابات ، برد جماهير الناخبين والمعترضين بإسقاطها لحيتان الفساد وجعلهم في دوار مسببة لهم صداع دائم ، وها هي الجماهير تؤكد لهم اليوم انها لم تعد تثق بهم وبنظامهم ، لا بل ان تغييره ( بنيوياً) اصبح ضرورة موضوعية ملحة لا تقبل التأجيل او التسويف او المماطلة ، لهذا خرجت غاضبة بتظاهرات سلمية ، يحركها الجوع والعطش والبطالة ، بعد ان وصل التفاوت الطبقي بين المتنفذين وحواشيهم الانتهازية، وبين الطبقات الكادحة المسحوقة ، التي دفُنت عميقاً في تراب وطنها لتموت خنقا ،مديات واسعة ، اما محاولة الالتفاف على مطاليب الجماهير المحتجة الناهضة السلمية ،بتغيير الوجوه دون الفكر المتمسك بنظام المحاصصة  هو خدعة مكشوفة ليس لها رصيد اليوم بالشارع العراقي ،فالجماهير خبٌرت زيف نظام المحاصصة المأزوم ، وتوصلت من خلال ما رفعته من مطاليب مشروعة: تتلخص اساساً بالتغيير الحقيقي  بمحاسبة الفاسدين  المتنفذين ومغادرة نظام المحاصصة ونهجه  فكريا ،الذي بات مطلباً  واقعياً عبرت عنه جماهير الحراك الشعبي  في ساحات النضال في معظم محافظات الوطن ،  لإحلال البديل الديمقراطي المدني الذي يتضمن مشروعه  بناء دولة مدنية تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية ، تحاسب الفاسدين وما سببوه من دمار وكوارث وازمات للشعب العراقي، كما تؤكد حصر السلاح بيد الدولة ، وتعزيز دور القانون وهيبته .

ان الصدور العارية الا من حبها للوطن والبطون الخاوية من الجوع والافواه العطشى لشدة ملوحة المياه وشدة الحرارة وانقطاع الكهرباء الدائم والبطالة التي خيمت على المواطنين وخاصة بين الشباب خريجي الجامعات ،هذه الاوضاع والمعاناة  دفعت المتظاهرين المحتجين الحقيقين ان يلتقوا في الشارع مجمعين  على التغيير والاصلاح وعلى محاسبة ناهبي حقوقهم  من  المتنفذين الفاسدين ، الذين انتابهم الهلع والخوف والهستيريا ،فقاموا  بإجراءات قمعية تعسفية ضد المتظاهرين والتعدي على كرامتهم من خلال اخذ التعهدات سيئة الصيت المهينة لكرامة الانسان ،بدل التعامل بمسؤولية مع مطاليب الجماهير المشروعة لحلها ، معتقدين وحساباتهم خاطئة ! ان مثل هذه الاجراءات القمعية ستوقف غضب الشارع العراقي وتضعف ارادته، وتحد من هبته التموزية، فجاء الرد للحراك الشعبي السلمي المتغير بوعيه، أكثر اصراراً واشد عزيمة، مقدماً الشهداء في هذا الطريق، لنيل حقوقه والتعامل مع مطاليبه واخذها على محمل الجد، لان استغفالهم للجماهير والتجاوز على مطاليبها سيجعلهم وهم محقين ان يطوروا من احتجاجاتهم بشكل أكثر عمقا وبعدا.

وتبقى تظاهرات الجماهير واحتجاجاتها سلمية هدفها التغيير والاصلاح، ومن يسعى لتشكيل حكومة جديدة بوجوه جديدة دون مغادرة المحاصصة وفكرها المتكلس يعني بقاء المتنفذين الفاسدين وتراكم المعاناة، دون الاخذ براي الشارع العراقي الغاضب من نهج المحاصصة الطائفي البغيض ورموزه، وهو ما يبقي الاحتجاج قائما والنقمة على الاوضاع مستمرة ومستعرة وتنذر بقادم لا يتنبأ به الا اصحاب المعاناة! من الجياع والمعدمين والمسحوقين والمهمشين في وطن تكالبت عليه قوى الفساد والارهاب والردة.

وكما قال الشاعر:

الشعب في جزع فلا تستبعدوا

                 يوماً تهب به الجموع وتزحف

كم من نواص للعدى سيجزها

                  ولٌحاً بأيدي الغاضبين ستنتف

 والسؤال الذي تطرحه القوى المدنية الوطنية والديمقراطية من خلال الحراك الشعبي وتنسيقياته الضابطة لحركة الجماهير، بخصوص تشكيل الحكومة الجديدة؟! كيف يكون تشكيل حكومة جديدة وطنية؟ إذا ظل ينمو في احشائها فكر نظام المحاصصة الطائفي القومي البغيض، اذن التطهير ومغادرة نهج المحاصصة بعد محاكمته، اساس التغيير مطلب المتظاهرين الاساس.

عرض مقالات: