باشرت الحكومة العراقية، متمثلة برئيس مجلس الوزراء بعدة خطوات، تماشياً مع مطالب المتظاهرين، وتمخضت عن لقاءات مع ممثلي المحافظات لإستلام المطالب، وإصدار حزمة قرارات، لتخفيف حجم ونبرة التظاهرات المتصاعدة، ظناً من الأخيرة على أن كل ما يناقش وما يقرر لا يرقى لحجم المشكلة، بل لا يصل الى قشورها وهي متجذرة في عمق العمل السياسي والحزبي والتأثير المجتمعي، وما زيادة ضخ الأموال والتخصيصات والبرامج، إلاّ فرصة لحيتان تتحين الفرص لتمتص الدماء من آخر الرمق، ولا تهاب حكومة كانت في أوج صلاحياتها وتأيدها الشعبي والسياسي، فكيف وهي في آخر أيامها التنفيذية؟

 قطعاً لا يوجد تناسب بين  حجم الأموال المصروفة، سيما في الموازنات الإنفجارية قبل 2014م، والنتائج على ارض الواقع عند ملامسته،. تتقاذف السلطات والأحزاب الإتهامات والتبريرات.

من جملة القرارات، أطلاق الأموال المخصصة للمحافظات من البترودولار، وفرص عمل لما يقارب 40 ألف عاطل، وتحريك المشاريع المتوقفة، ومنح جزء من إستحقاقات المقاولين والمستثمرين، وزيادة الإطلاقات المائية لمحافظات اقصى الجنوب، وتسريبات على إقالة مجموعة مسؤولين بعد سحب  يد وزير الكهرباء، وإحالة ملف مطار النجف الى هيئة النزاهة، لمعرفة حجم الهدر المالي والفساد.

مشكلة المحافظات لا تتلخص بقلة الإنفاقات، التي كانت أشبه بالمتوقفة بعد عام 2014م، بسبب الحرب على الإرهاب وإنخفاض أسعار النفط، فيما لم تحقق قفرة ملحوظة، عندما كانت تسع محافظات بأغلبية من حزب واحد يحكم رئاسة الوزراء بين عامي 2009- 2013م، فيما محافظي ورئيسي مجلس المحافظة من نفس الحزب في بغداد والبصرة، مع أغلبية أعضاء المجلس في نفس الفترة، إلاّ أن الفساد وبيروقراطية المؤسسات والمحسوبيات والإبتزاز وهدر المال العام، بمشاريع أقل أهمية من البنى التحتية، مع غياب الرقابة الصارمة وحماية الأحزاب لأعضائها، رغم سعي حكومة المركز والمحلية في تلك الفترة لتقديم نموذج على الأقل في محافظتين، لكن الواقع يشير الى الأسوأ، الذي ما تزال آثاره شاهدة، ونار تغلي بركان شعب مستاء من الأداء.

إن إطلاق الأموال إستجابة لمطالبة المتظاهرين، لن يكون مجدياً وفق التجربة، مع تفشي الفساد وسوء التخطيط، والحكومة كأنها تطفيء النار من طرفها لحين تشكيل حكومة جديدة، وبالنتيجة ستذهب الأموال لنفس السلطات التنفيذية وبنفس أدوات التخطيط والرقابة، التي جعلت من المال العام مغانم تتقاسمها بعض الأحزاب، لإثراء أعضائها وكسب الأنصار بشراء الذمم، ووعود لا أساس لها حال غنيمة السلطة.

أهدرت الأموال فساداً وسوء تخطيط، وتقاطع صلاحيات وفرضيات حزبية، لا تعير أهمية سوى لتضخيم نفوذها.

لن تهدأ التظاهرات وسترتفع سقوفها، بوجود عدة أطراف منها المتوافقة والمتناقضة، والحقيقية وغير المحقة، ومنهم من لا ترضيه العملية السياسية برمتها ويتحرك بأفعال عدوانية، وقوى مشاركة في العملية السياسية وتعتاش على الفوضى، والجمهور لا يثق بالوعود الحكومية التي جربها بالفشل وسوء التخطيط، وستطلق أموال لن تعيد الثقة إذا كانت بنفس الأيادي الملوثة بالفساد، وهناك حيتان تنتظر إفشال مطالب الشعب، ولها فرصة متواطئة مع الأدوات السابقة الحاضرة الآن في المشهد، ولا ينفع معها إقالة وزير وقد نخر المؤسسة مرض الفساد، وما متبقي من عمر الحكومة لا يكفي للمراقبة والمحاسبة.

عرض مقالات: