تقييم أي حدث يجب أن يأخذ بنظر اﻹعتبار، الطروف الذاتية والموضوعية الملموسة السائدة في المكان الملموس ، وبعكسه يصبح التقييم مشوه ، بعيدا عن الحقيقة .

تمر على جماهير شعبنا الذكرى المئوية الستون لثورة الفقراء تموز المجيدة ، التي تفجرت لنصرتها   فتماهت مع أحلام وتطلعات كافة مكوناتها الإجتماعية ، ذلك أن تباشير إنطلاقتها كانت تبشر بحياة حرة كريمة في وطن يسع لكل العراقيين ، قائم على نظام وطني متحرر من التبعية اﻷجنبية ، ومن هيمنة فئة إجتماعية صغيرة  أرهنت مشيئتها للأجنبي ، وتصدت لنضال الجماهير الشعبية بأبشع اﻷساليب القمعية بما فيه إستعمال القوة المفرطة في إضراب كاورباغي ووثبة كانون وإنتفاضة تشرين وغيرها من المعارك البطولية التي خاضتها الجماهير الشعبية ضد الطغم الحاكمة ، و راح ضحيتها العديد من الشهداء من ابناء الشعب المطالبة بالحرية والحياة الحرة الكريمة التي حجبها عنهم  الطغاة ، و بشكل يكاد ما يجري حاليا في أغلب المدن العراقية متماهيا مع هبات الجماهير الشعبية التي سبقت وما تلت ثورة تموز المجيدة ، والتي فيها هبت الجماهير الفقيرة شيبا وشبابا من تحقيق مصالحها التي هضمت ، بينما حاليا تهب الجماهير الشعبية من أجل كنس معوقي التغيير والإصلاح الحقيقي من مواقع القرار من قادة بعض ألأحزاب المتبنية لنهج المحاصصة الطائفية والقومية الذين كانوا  وراء ما يكتنف الشعب العراقي من مآسي وويلات منذ تسلمهم العملية السياسية  

فعلى الرغم من معارضة القوى الرجعية والقومية وحتى الدينية لمسيرة الثورة التصحيحية ، أنجزت الكثير من الإصلاحات كانت تطالب بها الجماهير الشعبية شملت كافة اﻷصعدة السياسية واﻷقتصادية واﻷجتماعية ، فاتحتا بذلك آفاقا رحبة أمام بناء عراق جديد . وعلى اساسها أكتسب يوم 14 تموز بحق شرعية أن يكون عيدا وطنيا للعراقيين . مما أثار حفيظة الذين ضُربت مصالحهم الذاتية ، فإلتحمت مخططاتهم في الداخل والخارج بهدف إجهاض الثورة ، لكن الإسناد الشعبي الذي تلقته في الحفاظ على تحقيق أهدافها الوطنية ، مكنها من مواصلة مسيرتها ، رغم شدة وكثرة التآمر عليها ، إستطاعت إسترجاع حقوق الشعب بثرواته الوطنية التي نهبتها الشركات النفطية اﻷحتكارية  ، وتخلصت من كل أمر يمس باستقلال العراق السياسي واﻷقتصادي ، ورفعت الغبن الذي لحق بالمواطنين ، بسن قوانين تصب في صيانة حقوقهم السياسية والإجتماعية كالإصلاح الزراعي وقانون الأحوال الشخصية ، ناهيك عن قانون شركة النفط الوطنية

واليوم إذا يسترشد فقراء ألشعب ومهمشيه بالنضال المطلبي الجماهيري الشعبية ، الذي تراكمت تجربته لديهم خلال الستين عاما المنصرمة ، تعيد الجماهير الشعبية المهمشة الساعية لحياة حرة كريمة عبر مطالبتها بتنفيذ ما عطل تنفيذه من تنشيط فعالية العملية السياسية بعد تبني نهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي أقترحه العامل الخارجي بعد إسقاط الصنم عام 2003 .

إن إستمرار التظاهر وحراك الجماهير المطلبي التي  تعاني من سوء الخدمات المتأتية من عدم توفير الكهرباء( إذا وجدت الكهرباء وجد كل شيء تنموي ) والماء الصالح للشرب علاوة على الفساد والمحسوبية التي تصاعدت وتيرتهما في كافة الأصعدة الغدارية والأمنية ا منذ تبني النهج الطائفي المقيت ولن يحيدوا عن ذلك إلا بإيقاف اللغط والمناكفات وخداع الشعب بتشكيل كتلة عابرة للطوائف ، بينما بنفس الوقت يواصلوا السير في تعميق خصوصيات شعاراتهم الطائفية والإثنية بإستعمال القوة المفرطة في مواجهة الهبة الجماهيرية التي إجتاحت المدن العراقية ، وبنفس الطريقة التي لجأت اليها القوى الرجعية والعميلة في التصدي لثورة الجماهير تموز المجيدة ، مستعملة القوة المفرطة بما فيه السلاح الحي مما أدى لسقوط عدد من القتلة والجرحى ، مما يدل بشكل ساطع أن تشابه وتماهي المطاليب الشعبية هي واحدة وإن إختلف الزمان ، لكون أهداف 14 تموز ستبقى نبراسا يهدي الجماهير الشعبية في حراكها بمواصلة المطالبة بالتغير والإصلاح إلى أن يتم خضوع القوى المعرقلة لتنفيذ مطاليبهم العادلة ، وتكف عن مساعي تشكيل الكتلة التي تتبنى النهج الطائفي ، وكل سبل القضاء على العملية السياسية ، والعودة بالعراق الى المربع الأول ، بمصادرة حق الجماهير في السعي لتشكيل حكومة عابرة للطائفية ، تضع مصالح الشعب والوطن العليا في مقدمة ما تسعى لتحقيقه ، خاصة وإن العراق إكتسب بثورة تموز المجيدة وزنا سياسيا وإقتصاديا على الصعيد الدولي واﻷقليمي ، بفضل تمسكه بمنجزاتها التي يُراد دثرها . ولن يبخل بتقديم التضحيات المتماهية مع مستلزمات مطاليبه العادلة في التقدم والتحضر الذي وضعت أسسه ثورة تموز المجيدة ، وما المظاهرات المليونية التي أعتبرت الرد الحاسم للجماهير و كصورة حية عكست تضامن طبقاته الكادحة ضد تهميش حاملي همه كما حدث في صبيحة الرابع عشر من تموز  والتي رسخت مفاهيمه ثورة الفقراء تموز المجيدة في ضمير الأجيال

عرض مقالات: