السفير – هو ممثل دبلوماسي لأعلى رتبة في دولته لدى دولة أجنبية أو منظمة دولية، وهو الممثل الرسمي لمصالح بلاده وشعبه.

إن تعيين الدبلوماسيين في عالم العلاقات الدولية ليس مجرد إجراء شكلي، انما عملية مدروسة بعناية تتطلب التنسيق بين مختلف فروع السلطة. كما ان اجراءات تعيين واستدعاء الممثلين الدبلوماسيين عملية معقدة ومتعددة المراحل ينظمها القانون الجاري في كل دولة. ويعود الحق الحصري في مثل هذه الاجراءات في اغلب الدول لرئيس الدولة. ويعد هذا من الأحكام الأساسية التي تؤكد على اهمية السياسة الخارجية وضرورة تركيز الصلاحيات بيد رئيس الدولة.

ومع ذلك، لا تنص دساتير العديد من البلدان على اتخاذ قرارات التعيين والاستدعاء بشكل منفرد، كما هو الحال في روسيا مثلا. حيث يقوم رئيس الدولة قبل التعيين عادة بإجراء مشاورات مع الجمعية الفيدرالية باقتراح من وزارة الخارجية، ومع اللجان والهيئات المختصة في السلطة التشريعية. وتعد هذه المشاورات آلية مهمة تضمن الرقابة البرلمانية ومشاركة السلطة التشريعية في صياغة السياسة الخارجية للبلاد. كما وتتيح هذه المشاورات أخذ آراء مختلف القوى السياسية والخبراء بنظر الاعتبار، وهي خطوة ايجابية جدا تسهم في اتخاذ قرارات اكثر توازنا وتعليلا.

وتختلف عملية اختيار الممثلين الدبلوماسيين للعمل في الخارج من دولة الى أخرى. وعلى الأغلب هي من صلاحيات رئيس الدولة، كما في الولايات المتحدة، حيث يتم اقرارها باستشارة وموافقة مجلس الشيوخ ألأمريكي، وفي البلدان الأوروبية، في فرنسا مثلا، يتم تعيين السفير من قبل الرئيس الفرنسي باقتراح من وزير الخارجية، وشكليا يجري التعيين في اجتماع للحكومة، او تضطلع بهذه العملية برلمانات البلدان، كما في أوكرانيا، وغيرها من الدول.

وتتضمن عملية التشاور عادة مناقشة قائمة المرشحين ومؤهلاتهم المهنية وخبراتهم العملية ومدى استيفائهم لمتطلبات الوظيفة. ويمكن للجان والهيئات تقديم توصياتها وملاحظاتها، والتي يأخذها رئيس الدولة بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار النهائي.

وعدا الاجراءات المذكورة، يستند رئيس الدولة على رأي وزارة الخارجية، التي تهيء مقترحات بشأن المرشحين وتقوم باختيار دقيق لهم  آخذة بعين الاعتبار المؤهلات المهنية ومعرفة اللغات ألأجنبية وخبرة العمل والصفات الشخصية للمرشحين. وهذا يضمن عدم تعيين أشخاص بشكل عرضي في مثل هذه المناصب المهمة والحساسة. وتعتبر مقترحات وزير الخارجية العامل ألأساسي في تحديد من سيمثل بلاده في الخارج.

إن تعيين الدبلوماسي ليس مجرد عمل مهني، بل هو عمل سياسي بحد ذاته. ويجب أن يتوافق موقف المرشح مع مهام السياسة الخارجية لبلاده، وان يأخذ بالاعتبار خصائص العلاقات مع الدولة التي سيعمل فيها، وأن يكون مقبولا لدى الطرف المضيف. ويشكل هذا توازنا معقدا بين المهنية والواقع السياسي.

 إن اختيار السفراء بشكل صحيح وبعيدا عن أي ضغوطات واملاءات مهمة في غاية الصعوبة، ويجب أن تستند الى الكفاءة والمؤهلات العالية والصفات المحددة التي يجب أن يتمتع بها الدبلوماسي قبل كل شيء. وبغير ذلك يصعب عليه  تأدية مهامه على الساحة الدولية بالشكل المطلوب.

فالدبلوماسي هو شخص يتحمل مسؤولية كبيرة بصفته يمثل مصالح دولته رسميا على الساحة الدولية. وعليه التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية. وخلال وجوده في البلد المضيف يقوم بتنظيم واجراء المفاوضات نيابة عن حكومته ويدافع عن مصالح وطنه. وتكمن مهمته في نقل وجهة نظر بلده في العلاقات الدولية، وتعزيز علاقات الصداقة الودية وتوسيع التعاون وحل النزاعات. ولكي يطبق الدبلوماسي السياسة الخارجية لبلاده بنجاح يجب أن يكون وطنيا مخلصا لوطنه.

تسمى الدبلوماسية في الكتب الدراسية بفن اجراء المفاوضات، وليس كل شخص يمتلك مثل هذه القدرة.

ويجب أن يتمتع الدبلوماسي بصفات ومهارات تواصل كبيرة وقدرة استثنائية وجاذبية شخصية بالاضافة الى :

  • سعة ألأفق وسعة الاطلاع
  • البلاغة والقدرة على الاقناع وبث الثقة.
  • القدرة على التفكير بسرعة، وسرعة رد الفعل واتخاذ القرار.
  • التفكير السليم والحصافة.
  • القدرة على الدفاع عن المواقف، وتحقيق التوازن بين الامتثال والحزم.
  • الاتزان والقدرة على التحمل، ومقاومة التوتر.
  • أللباقة، حسن التصرف، المرونة، الصبر.
  • التفكير التحليلي، الحدس.
  • العزيمة وقوة الارادة.
  • القدرة على الشعور بمزاج ورغبات الآخرين، والقدرة على إدارة مشاعر الشخص نفسه ومشاعر الآخرين لأغراض عملية.

ويتضمن النشاط الدبلوماسي التواصل مع ممثلي مختلف الثقافات، التي لكل منها خصائص تواصل خاصة بها. ويجب أن يكون الدبلوماسي قادرا على بناء علاقات متينة بغض النظر عن اختلاف الثقافات واختلاف المواقف تجاه الظروف نفسها. ومن غير المرجح أن يمتلك الشخص كل هذه الصفات، لكن التطوير الذاتي المستمر سيساعد على اداء الواجب وحل قضايا السياسة الخارجية.

يحتاج الدبلوماسي المستقبلي الى تدريب أساسي في القانون الدولي والاقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة.

وعلى الدبلوماسي أن يجيد لغتين أجنبيتين على الأقل، احداهما الانكليزية والأخرى حسب اختياره، ويفضل اجادة لغة البلد المضيف، الى جانب الاجادة التامة في البلاغة والمعرفة الدقيقة بقواعد واصول القراءة والكتابة الصحيحة، وكذلك بالنسبة الى لغته ألأصلية.

ويعتمد نجاح المسيرة المهنية للدبلوماسي على جودة التعليم والتدريب المهني.

الدبلوماسي ليس مجرد متخصص مؤهل تأهيلا عاليا في العلاقات الدولية، بل هو متحدث بارع أيضا وملم بعلم  النفس ومحام في آن واحد. عليه ان يكون ملما بتاريخ وسياسة بلاده جيدا، بالاضافة الى تاريخ وعقليات الدول ألأخرى وثقافتها وبنيتها السياسية وجغرافية هذه البلدان.

اذن كيف يجب ان يجري اختيار الممثلين الدبلوماسيين للعمل لدى البلدان ألأخرى.

في الدول "الديمقراطية المتقدمة" يعتبر هذا الموضوع عادة من مهام رئيس الدولة بالتشاور مع وزارات خارجية هذه البلدان. أما في بلد مبتلي بالمحاصصة الطائفية والاثنية واستشراء الفساد في مفاصل الدولة وغياب ألآليات الديمقراطية وسيادة العقلية العشائرية والمذهبية والمناطقية، فمن الصعب للغاية في مثل هذه الظروف ايجاد مرشحين مستقلين يتمتعون بمؤهلات عالية ورؤية سليمة لتعيينهم سفراء. وحتما انهم موجودون، لكن النظام المحاصصاتي المتحول الى "نظام عائلي أقاربي" هو حجرعثرة ضخمة أمام هذه الكفاءات. وصدق من قال: " ما هكذا تُعَورِدُ يا سَعدَ ألإبِلُ" – وهو مَثَل يُضرَب لمن يَتَكلٌفُ أمراً لا يُحسِنُهُ.

ورغم كل هذا الوضع غير السليم، ولغرض اختيار مرشحين كسفراء يرفعون اسم العراق عاليا على الساحة الدولية ويبنون علاقات راسخة مع البلدان ألأخرى، لا بد، برأيي، من تشكيل لجنة مستقلة تماما من الخبراء والمؤهلين وذوي الكفاءات العالية في مجال السياسة الخارجية يمكن أن يشرف عليها ولكن دون املاء، مثلا، المعهد الدبلوماسي للخارجية العراقية، وتكون قراراتها الزامية حاسمة بالنسبة لجميع ألأطراف.

هذا هو الأسلوب ألأمثل في مثل هذه الحالات لتعيين سفراء يتمتعون برؤية استراتيجية وأفق واسع وفهم عميق لكل مجالات سياسة العراق وسياسات البلدان التي سيعملون فيها مستقبلا.