كتب جورج ف ويل في الواشنطن بوست مقالاً بعنوان ؛
" هل هذا فعلا أسوأ اختيار رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة؟"
وأنا أيضا اعتقد ذلك حيث أشار الكاتب إلى أن من الممكن القول عن هذه الحملة الرئاسية "المبتورة" ولدواعي الشفقة إنها "الفردوس المفقود" وأن أحدا لم يتمن استمرار هذه الحملة لمدة أطول. وتساءل: فلماذا إذن نطيل أمد هذا الهدر لكرامة الأمة؟
وأخيراً نأتي إلى نهاية أطول حملة انتخابية في تاريخ العالم وأكثرها شراسة وتكلفةً، حيث تم إنفاق 16 مليار دولار حتى هذه اللحظة والذي يعادل ضعف المبلغ الذي أنفق في انتخابات عام ٢٠١٦. فعلى الرغم من أن العديد من جولات الانتخابات الرئاسية الـ 59 السابقة التي شهدتها البلاد كانت عبارة عن إختيار أحد المرشحين من بين الشخصيات الوسطية أو بين شخصيات من المحتالين، ومع ذلك، فإن خيار هذا العام يعتبر الأسوأ على الإطلاق".
فالسيد ترامپ هو عبارة عن بركان ينفث الأفكار الحاقدة ونوبات الغضب والهيستريا، وهذا أمر معروف عنه، وهو في نوبات غضبه ينعت منافسته كامالا هاريس ويصفها بالدمية التي يتم تشكيلها وتحريكها كيفما يشاء صانعها. كما وصف السيد بايدن في أحد تصريحاته السابقة داعمي ترامب ، بـ "القمامة".
لقد استمر هذا الخداع المتهور للحزبين بضعف الرئيس الحالي حتى أصبحت الحقيقة علنية وبفضل رشاقة أولئك الذين يفتقرون إلى ثقل الجدية قبل أي شيء غير احتكار السلطة، فرض حزبه على الناخبين مرشحًا من عجينة غريبة. فالحكمة الوحيدة في هذه الانتخابات هي تسقيط الآخر وهذا ما رأيناه في مؤتمراتهم الأخيرة، فالبرامج الانتخابية كانت غائبة نوعا ما والتركيز كان على تضليل الناخبين بوعود غير مسبوقة.
هاريس والديمقراطيون وجوقة طبول الإعلام الذي ترافقهم في الولايات المتحدة وفي معظم دول أوربا، لنشهد ما الذي سيتغير في سياستهم في حال فوزهم بأربع سنوات قادمة، فالأربعة الأعوام الماضية كانت كارثية اقتصادياً على اوربا خاصة ولم تكن على أحسن حال سياسياً بفضل سياستها الخارجية، فالوضع الاقتصادي السيء كاد ان يصبح اكثر سوءاً لولا استمرار عجلة الصناعات الحربية والمليارات المتدفقة اليها، وهذا بات معروفاً لكل مواطن أمريكي، ولهذا السبب فإن خياراتهم بإبقاء الوضع الدولي متوتراً وبوتيرة متزايدة ليس خياراً يختاره البيت الأبيض بل يفرض عليه من قبل الشركات الصناعية الحربية الكبرى، وهنا تلعب الدولة العميقة التي تسيطر على الوضع العام بكل تفرعاته الإعلامية والاقتصادية وتأثيراته السياسية على قرار الحرب والسلم الدولي الذي يعيشه العالم. فهل المرشحة الديمقراطية أفضل ما لدى الحزب للرئاسة، بالتأكيد لا، ولكن المنطق يؤكد ومن خلال تجارب سابقة بان القرار السيادي لا يأتي من البيت الابيض بل من القوى التي تهيمن على القرارات وتمسك بمقود عجلة الإنتاج العسكري. ومن هنا جاء الاعتقاد بان الخيار الرئاسي للسنوات الأربع القادمة يجب ان يكون مرهونا بشخص أضعف من شخصية بايدن المريض، وان تستمر عملية توجيهه بالشكل المباشر والمطلوب وبما تقتضيه المرحلة المقبلة، فالمعروف عن هاريس بانها لا تمتلك الخبرة الكافية او اي صفة بإمكانها ان تتخذ القرار المصيريّ الذي سيؤثر على حياة ومستقبل البشرية ناهيك على حياة ومستقبل المواطن الاميركي نفسه.
آما بالنسبة لترامب. هذا المرشح الذي كرهته النساء وخسر معظم اصواتهن وبالتأكيد خسر الكثير من أصوات الأمريكان من الأصول اللاتينية وبعض الأصوات الآسيوية ولكنه فاز بدعم اللوبي اليهودي ومعظم أصوات العرب الأمريكيين على حد سواء، وجماهير غير قليلة من المحافظين الامريكان الذين يعارضون الديمقراطيين في سياساتهم تجاه المثلية وانتشارها مثلاً او في سياستهم المتبعة بشأن الجندر وتشويه صورة ما تبقى من العائلة المحافظة الامريكية، وإحدى أهم أوراق ترامب هي إصراره على السيطرة على قوانين الهجرة والحد منها بشكل رسمي وقانوني أكثر. وهذا سيكون مؤثرا وموثوقا في دعم الاقتصاد الأمريكي في المرحلة القادمة، اما خياراته الخارجية فهي محاولة الحفاظ على التوازنات الدولية على بالقدر الممكن بالرغم من تعامله بمعايير مزدوجة، فهو وعد بوقف الحرب الأوكرانية والتوصل إلى حل مرضي، والحد من تدخلات الناتو في هذه الحرب، ولكنه حتماً سيكون داعما لإسرائيل ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعتبر ترامب أحد المخططين له.
بالنتيجة فنحن نتجه إلى خيارات سيئة ونتائج محفوفة بالمخاطر إن فاز المرشح الجمهوري أو الديمقراطي، فالتاريخ دائماً يعيد نفسه والوعود الانتخابية ليست ملزمة لكلا المرشحين إذ أن عدم الالتزام بها ليس بغريب على الحكومات المتعاقبة التي حكمت الولايات المتحدة الامريكية، والمصلحة تقتضي ذلك. وكما ذكرت بأن من يحكم هي المجمع الصناعي العسكري المؤثرة وأصحاب المال والنفوذ.
ودعت "الواشنطن بوست" إلى إدراك إلى أي درك وصلت إليه "الأمة"، داعية إلى فضح الحملات الإنتخابية وبلا رحمة بخصوص نفقاتها وهدرها للمليارات وكذلك وعود المرشحين وتصريحاتهم الغريبة.