أصبح المشهد مألوفا، في أن تقوم قوات مكافحة الشغب، بإطلاق الرصاص الحي أو تكسير عظام المتظاهرين بالعصي، وكان آخرها (صولتهم) مع متظاهري المهن الصحية والطبية، أمام وزارة المالية لمطالبتهم بالتعيين.
يبدو-هذا القمع- في الظاهر، مناوشات عادية بين طرفين، ولكن بالحقيقة تشترك فيه عدة أطراف ضد المواطن وتتحمل مسؤولية استمراره، أولها البرلمان الذي وصل أعضاؤه بأصوات المواطنين، وقراراته تخرج باسم الشعب، لم نره يوما يستدعي مسؤولا لمحاسبته عن الدم المسفوح في الشوارع، وكأنه ليس أعلى سلطة تشريعية ورقابية للشعب على الحكومة، وهو الذي يختار المسؤولين الكبار.
ثانيها: لجان النزاهة المتعددة، فالاعتداءات على المواطنين هو خرق لا يقل عن الفساد شناعة، فسرقة أرواح المواطنين وإصابة المواطن بالإعاقة وهدر كرامته بالسحل والضرب، أشد خطورة من سرقة المال.
ثالثها: منظمات حقوق الإنسان، نتساءل أين هي من هذا القمع الممنهج الذي يذل مواطننا العراقي يوميا، وينقل على شاشات الفضائيات؟
رابعها: وزارة العدل، هو البيت المفترض أن يستظل الإنسان فيه، وأن يكون سقفا يحمي رأسه من الهراوات، ودرعا من الرصاص الحي، ومانعا للتجاوزات عليه، باعتبارها -العدل- ساهرة على حماية المجتمع وضامنة حقوق الأفراد وحرياتهم، ويتركز عملها على تحقيق مبادئ الشرعية والمساواة والحياد وغيرها.
وإذا كانت كل هذه الجهات مشغولة، بأمور مهمة (ستراتيجية) ولا وقت لديها، لمتابعة وجع الانسان العراقي، فما الذي تقوله القوى المتنفذة، وهي تدعي الديمقراطية، وأنها جاءت لرفع المظلومية عن الشعب؟!
ويوما بعد يوم، بدأت الصورة تتضح أكثر، رغم غشاوة الدم على عيوننا من جراء الضرب، فالهوة بين الشعب وحكامه تتسع، فلا يمكن أن نعول على قوى تريد تجريد المواطن من وسائل تعبيره، وتعمل على تحطيم إرادته بمختلف السبل، وكسر روحه، وتطلعاته لأي متنفس، وإشغاله بأمور جانبية لتغييب وعيه، وجعل حياته صعبة، ليصبح أسيرا لمتطلباته الحياتية، مكرسا الساعات في البحث عن حلول لما يعانيه من نقص الخدمات في مختلف أنواعها، وكيف يجد الحلول لأمراضه المزمنة، وانقطاع الكهرباء المستمروالعطش من عدم توفر الماء الصالح للشرب، وقلة المدارس لأطفاله، بالإضافة إلى البطالة والفقر وأزمة السكن وارتفاع الأسعار وفرض الخاوات عليه في دوائر الدولة وغيرها.
إن خروج المواطنين للاحتجاج والتظاهر، كان وسيكون العلامة الفارقة بين الخنوع والرفض، وأن سلخت العصي الجلود وأخترق الرصاص الحي الصدور، فليس هنالك ما يفقدونه سوى أغلالهم.