كتب المتخصص في العلوم السياسية والثقافية لشؤون كردستان والشرق الاوسط والاستاذ المساعد في جامعة أربيل اليساري النمساوي البروفسور توماس شمدنكر مقالاً في صحيفة حزب اليسار الالماني (نويس دويتشلاند)( المانيا الجديدة) في 26 تموز 2024 مقالا بعنوان :

هل يضع الغزو العسكري التركي وجود الإقليم الكردي في العراق موضع تساؤل ؟

تجاهلت الصحافة والسياسيون الدوليون إلى حد كبير احتلال الجيش التركي  منذ منتصف حزيران/ يونيو مناطق واسعة من محافظة دهوك العراقية الكردية والمناطق الحدودية التابعة لمحافظة أربيل. كانت تركيا متواجدة قبل ذلك بالفعل في المنطقة ولها عمليا عدد من القواعد العسكرية في منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي وفي مدينة بعشيقة في العراق التي تديرها الحكومة المركزية. ولكن الآن، ولأول مرة تحتل مناطق مأهولة بالسكان وطرق مواصلات ونقل عديدة.

وتسببت الهجمات التركية على مقاتلي حزب العمال الكردستاني مرارا في سقوط ضحايا مدنيين في شمال العراق في السنوات الأخيرة وأدت إلى هروب اللاجئين من المناطق الحدودية. ولكن الوضع يتفاقم منذ ٢٥ يونيو إلى أبعد من ذلك بكثير. فبإنشاء نقطة تفتيش بين قريتي كاني بيلافي وبابير تتصرف تركيا الآن علنا كقوة احتلال في العراق.

بدأ الهجوم التركي في منطقة برواري شمال العمادية، حيث تقع أيضاً العديد من القرى الآشورية المسيحية التي تعتبر آخر بقايا منطقة الاستيطان الأصلية للآشوريين قبل الإبادة الجماعية في عام ١٩١٥. كانت هذه المنطقة تعتبر معقل الآشوريين لعدة قرون. وقد عادت قبيلة التياري المعروفة خاصة بتمرداتها إلى المنطقة بعد الإبادة الجماعية للآشوريين، ولكنها اضطرت إلى الفرار من المنطقة مرة أخرى بشكل مؤقت بسبب القتال بين الأكراد والجيش العراقي في الثمانينيات. كما تضررت قبيلة برادوست الكردية في منطقة سيدكان في أقصى شمال شرق العراق والمنطقة المحيطة بديرلوك إلى الغرب من برزان بشدة من الهجوم التركي.

كانت الحكومة التركية تعتمد في السابق على التعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني المحافظ نسبيا، الذي تسيطر عليه عائلة البارزاني، عند مهاجمة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ولكنه يبدو الآن أن أنقرة لم تعد ترجع الى الحزب الحاكم في كردستان العراق مسبقا عند قيامها بالعمليات العسكرية الكبرى. وتشير تركيا إلى اتفاق تم التفاوض بشأنه في آذار/ مارس من هذا العام بين وزير خارجيتها ورئيس المخابرات السابق هاكان فيدان الكردي الاصل والحكومة العراقية وتم توقيعه بعد ذلك بوقت قصير خلال زيارة أردوغان لبغداد.

وتم توقيع ما مجموعه ٢٦ اتفاقية تعاون بين الحكومتين في ذلك الوقت. وفي هذا السياق ارتبط توسيع العلاقات التجارية بشكل واضح بشرط توثيق التعاون الأمني. وعلى وجه الخصوص، ارتبط ”طريق تنمية العراق“ المخطط له، والذي سيربط ميناء الفاو على الخليج بتركيا وبالتالي بأوروبا أيضاً، باستعداد العراق لمنح تركيا حرية التصرف في الشمال الكردي.

بهذا يتحمل سكان المنطقة مجددا العبء الأكبر من هذه الصفقة التي جاءت دون مشاركة الأكراد. وإجمالاً هناك أكثر من ٦٠٠ قرية كردية وآشورية متضررة من الغزو. وقد تم بالفعل إخلاء ما يقرب من ٢٠٠ قرية من أهاليها. وتستهدف الهجمات أيضًا البنية التحتية المدنية. فعلى سبيل المثال، تم قصف مدرسة في قرية مزه وكنيسة آشورية في قرية ميشكا. بالإضافة إلى ذلك، دُمر أكثر من ٦٠٠٠ هكتار من الأراضي الزراعية أو تضررت بشدة جراء الهجمات التركية بحلول نهاية تموز/يوليو.

ومنذ منتصف تموز/يوليو يزداد تقدم  الجيش التركي أيضًا في جبال قرة جنوب الطريق الذي يربط دهوك بالعمادية. وإذا ما تمكنت تركيا من وضع موطئ قدم دائم لها هناك أيضًا، فإنها ستعزل قلب منطقة بهدينان التاريخي عن عاصمة المحافظة الحالية دهوك لتحتل أكثر من نصف محافظة دهوك.

ومع ذلك لم تنجح تركيا حتى الآن في طرد حزب العمال الكردستاني من المنطقة. فقد تمكن المتمردون من توجيه ضربات شديدة للجيش التركي، خاصة في المناطق الجبلية. ومؤخراً وللمرة الاولى تمكن المتمردون الأكراد أيضاً من تنفيذ هجمات جوية على وسائل النقل العسكرية التركية.

وازداد الوضع تفاقما بسبب نشر مرتزقة سوريين في صفوف الجيش التركي. فوفقًا لمصادر استخباراتية عراقية كردية، فإن حوالي ثلث القوات التركية يتألف من ميليشيات إسلامية سورية، بما في ذلك تنظيم ”الدولة الإسلامية“. وهذا أمر فاجع بالنسبة للمسيحيين الذين يعيشون في المنطقة.

من الواضح أن تركيا تستهدف إقامة منطقة احتلال في شمال العراق على غرار تلك الموجودة في شمال سوريا. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير دفاعه يشار غولر يتحدثان الآن علناً عن منطقة أمنية بعرض ٣٠ إلى ٤٠ كيلومتراً يريدان السيطرة عليها على المدى الطويل.

وقد قام أحد الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني، بسحب أعضائه من المناطق المحتلة. ولا يوجد سوى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على الشمال. ومن غير المؤكد ان تسمح هذه الظروف بإجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي المقرر إجراؤها في تشرين الأول /أكتوبر. ومن المؤكد أن الانتخابات النزيهة لن تكون ممكنة في ظل الاحتلال التركي. ولكن إذا لم يكن بالإمكان إجراء الانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر بعد أكثر من عامين غاب فيهما البرلمان، فإن ذلك سيعرض وجود إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي بحد ذاته للخطر. وبالتالي يمكن لتركيا أن تغير الوضع السياسي على حساب الأكراد إلى ما هو أبعد من نطاق الأراضي التي تحتلها.

عرض مقالات: