اصيبت العملية السياسية في عراق اليوم بمقتل، حينما تولاها سرطان المحاصصة، كما نهش قلبها مفهوم ما سمي بـ " حقوق المكونات " الذي تحول اليوم الى " لوكيميا " يسري في دماء روادها. و ان هذا المرض العضال من شدة خبثه يخدع المصاب به حيث ينخر بجسمه حتى يسقطه صريعاً.. والحالة التي يمر بها حكم " أمراء الطوائف " ومن خلال عملية فحص ومعاينة الجماهير المتضررة. يكشف بان العملية السياسية القائمة في طريقها الى الاخرة اي انها ستشيّعة لا محال الى مقابرالتاريخ..
وبعد الانفجار السياسي المدوي الذي خلفه انسحاب " التيار الصدري " من البرلمان، الذي كان يمثل قاعدة مثلث " التحالف الثلاثي" الفائزالاول صاحب الاغلبية، الذي كان بمقدوره الصعود على سدة الحكم باريحية بالغة، إذا ما جرى التصرف بحنكة سياسية مناسبة، ومع الصمود داخل مجلس النواب.. بيد انه قد فرط بكل تلك الفرص. مما جعل ضلعيه الاخرين يعومين مأزومين يبحثان عن ملاذ، يحميهما من مهب الريح السياسية المستنفرة عبر الحدود، التي اطاحت بقاعدة التحالف الاقوى " التيار الصدري " .. فعاش الضلعان الآخران للتحالف الثلاثي القلق القاتل وفي حالة فقدان البوصلة، الامر الذي غداهما يتعلقان حتى بغطاء كانا لم يقبلانه. مكتفيين بالوعود لاغير . وهذا قد شكل هزة مدمرة بلطت الطريق امام القناص الذي كان متربصاً بهما فتمت الاطاحة بهما كضحايا للانفجار هائمين على وجوههما للاسف الشديد.
اما ما تمخض عن هذه الدراما الممزوجة بالكوميديا الساخرة، التي كانت ملهاة لجماهير الاطراف الملتحقة ذاتها، مع احترامنا لها، حيث راحت راضية مرضيا ان تكون عبارة عن " مكملات احتياطية " ليس الا.. ورهنت نفسها طوعاً وطمعاً لعلها تحصل على فتات المنافع التي كانت تبشر بها الموازنة المالية الضخمة في حينها. وغدت تلفهما القناعة الوجلة بان حقوقهما مضمونة طالما صارا ضمن حصون ما سمي بـ " ائتلاف ادارة الدولة " غير انهم قد تناسوا تجاربهم السابقة في ضياع التوازن العادل وعدم الوفاء بالعهود مع ذات القوى صاحبة الوعود، وسط نظام برلماني يجيز لصاحب الاكثرية، ان يتصرف كما يشاء ضمن مساحته القانونية، التي لا يتمكن اي طرف غلق المنافذ عليها. في حين كان المترقب للمنافع فارغاً من اية قدرات تتيح له من ان يجني الثمار، ما عدا سماح صاحب الشأن، هذا اذا ما تصدق عليهم وسمح.
وما نشاهده اليوم من تجليات كانت متوقعة. واول غيثها لم ولن يُسمح للطرف الكردي ان يطلق مدى رؤيته ابعد من الواقع المسموح به” نمط الحكم الحالي " ففي كثير من الاحيان تمدد الاكراد منطلقين من طموحهم المشروع، غير انه لم يكونوا صائبين في حساباتهم الظرفية ضمن راهنات المرحلة، ونظام لم يؤسس على قواعد المواطنة والديمقراطية العادلة، وتحت هيمنة قوى اسلاموية لاتؤمن بالقضايا القومية. وانما على اساس المحاصصة المقيتة الممسوكة من خوانيقها من قبل صاحب الاغلبية الحاكمة والمعمدة قضائياً. ولم يكن بمقدور الطرف الكردي وهو في حالة انشطار مخيب، غير التهديد بالذهاب الى الانسحاب وقد بدا " البارتي " بخطوة الامتناع عن المشاركة في انتخابات اقليم كردستان المقبلة ويلمس ان الحبل على الجرار . ربما يلتحقون بالتيار الصدري حليفهم السابق.
اما التصدع والشرخ القانوني الاخرالذي جعل العملية السياسية تمشي وهي نائمة جراء افراغ البرلمان من رئيساً له، مما حرك غضب واعتراض صاحب هذه " الحصة " وبالمناسبة هو الاخر كان مهرولاً ظاناً بقدرته الحصول على بقايا من مائدة الحكم الدسمة، وهو أحد أطراف التحالف الثلاثي المنكوب بطوفان انكسار سد قوى التغيير، على إثر انسحاب " التيار الصدري " وما زالت عافية البرلمان في غرف العناية الفائقة تلفه الغيبوبة، دون اي مؤشر ايجابي بل هنالك توقعات اصبحت رأي عام، تشي بقرب رحيل ما سميت بالعملية السياسية. والمسؤولية على اصحاب القرار..