الاستشهاد بالمثل " عادت حليمة لعادتها القديمة* " تذكير بأن التاريخ يعيد نفسه بتقارب قريب للنص ومشابه بشكل ما للماضي، يعيد التاريخ نفسه بعد انقطاع فترة قليلة عن موضوع الاغتيالات والتصفيات السياسية ليظهر في حالة متجددة ووسائل فظيعة يختفي خلفها من لهم مصلحة في عدم استقرار البلاد سياسياً واجتماعيا وامنيا واقتصاديا، والمثال المذكور أعلاه على الرغم من المفارقة لكنه يوفي الغرض وما نصبو اليه، ونضع العديد من الاستفسارات على الرغم من أننا لن نجد أي جواب او توضيح حولها، اذن كيف يمكن الدخول لإيجاد حلول لأوضاع شاذة غير طبيعية أصبحت طبيعية بحكم التسلط والتحكم والتزوير والتبعية والمنافسة غير الشريفة وفرض واقع للهيمنة في ظل الأوضاع المأساوية وفي مقدمتها

ـــ سياسة المحاصصة الطائفية والحزبية

ـــ استمرار تردي الوضع الأمني

ـــ انتشار السلاح المنفلت بشكل لا يصدق

ــــ وجود ميليشيات طائفية مسلحة تابعة مضافاً اليها مافيات وعصابات عديدة في استخدام الجريمة المتنوعة.

من هنا نستطيع القول لا يمكن الوصول الى قواسم مشتركة بين الأجهزة الأمنية لكي تسير في مضمار صحيح لوضع منهجية صحية ومسؤولة لمحاربة الجريمة وجريمة الاغتيالات السياسية التي اخذت ترفع راسها في الآونة الأخيرة، وتبقى المعالجات قاصرة لأنها تنفرد في حالات وتهمل حالات لأسباب منها

1 – الفساد المنتشر في جميع مرافق الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية

2 – الميليشيات المسلحة التي لا تخضع للدولة ولا للقائد العام للقوات المسلحة والصراع الدائر بينها وبين ميليشيا الحشد لأجل المصالح الخاصة

3 ــ قانون سانت ليغو المطبوخ لخدمة مصالح الكتل الكبيرة

4 ـــ اصدار قوانين كي يتسنى تمرير المخططات لخدمة القوى والأحزاب المتنفذة في الدولة   

هنا تبدو أكثرية المعالجات الأمنية للقضاء على الجرائم المختلفة وفي

مقدمتها الفساد وخرق الأجهزة الأمنية ووجود السلاح المنفلت في حالة أحادية الجانب لأنها شاذة في ظل اوضاع شاذة خلقت من قبل القوى المهيمنة على السلطة التي :

ـــ اسسها الاحتلال منذ 2003

ـــ ومحاصصة مجلس الحكم بقيادة الأمريكي بريمر

ـــ الحكومات المتعاقبة التي قادت البلاد بواسطة السياسة الطائفية وتزوير الانتخابات والدعاية المضللة في مجال الدين السياسي والطائفية المكروهة.

ـــــ التبعية لقوى إقليمية تحت لافتة الانتماء الطائفي

ـــــ عدم التمسك بالوطنية التي تعني العراق اولاً وآخراً.

نعم إن عودة جرائم الاغتيالات السياسية واستعمال السلاح المنفلت وعدم خضوعه للدولة التي تغيبت عن اتحاذ قرارات حاسمة للقضاء على الاضطرابات الأمنية من اجل بناء الدولة الضائعة وتحديد مسؤولياتها القانونية وتنشيط أجهزتها العامة والخاصة والتخلص من النفوذ والامتيازات بما فيها تفعيل دور البرلمان العراقي الذي اصبح عبارة عن موقع للصراعات والخلافات وعدم وجود المراقبة الحاسمة حيث أكدته جريدة " طريق الشعب " بالقول " يعيش البرلمان حالة من عدم الاستقرار في ظل تأخر انتخاب رئيس جديد للبرلمان، الأمر الذي انعكس سلبا على أداء مجلس النواب ودوره الرقابي لعمل الحكومة وتشريع القوانين المهمة" وليس من الخطأ القول ان الشق الكبير بين ملايين الشعب العراقي وفقدان الثقة بالمتنفذين والمسؤولين والذين يهيمنون على القرار السياسي و من حالة فشل أثر فشل في الأداء او التشريع، ولا يمكن تجاهل الفشل المستمر للأجهزة الأمنية التي واكبت قيام الحكومات العراقية بعد عام 2003 ، ولم نشهد او نلمس الكشف عن عشرات الاغتيالات ضد سياسيين ومعارضين سلميين وفي هذا المضمار نستطيع ذكر عشرات الأسماء التي اغتيلت بضمنها الاغتيالات ضد الناشطين في مجال انتفاضة تشرين الجماهير العراقية، ولهذا نرى ما تم رصده في جريدة الطريق عبارة عن حالة من الكشف عن هذه المأساة  وذكرت هذه الجرائم  في بغداد دون المحافظات الأخرى التي قد تكون أوسع واشمل  " اكدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان أن بغداد شهدت خلال 23 يوماً فقط من شباط الماضي، 25 عملية اغتيال مؤكدة، و41 محاولة اغتيال فاشلة" هذه الإحصائية لشهر واحد فلنتصور عمق وشمولية المأساة اذا اردنا الإحصاء العام منذ  عام منذ 2003 الى 2024

أما الجانب الآخر من الفوضى والاضطرابات الأمنية فتكمن فيما نشر في وسائل الاعلام عن مواجهات مسلحة علنية بين العصابات وبين الافراد وبين عشائر عديدة دلت على عدم القدرة في ضبط الأمن والحفاظ على سلامة المواطنين كما انها مشجعة للانخراط في جرائم أوسع وأكبر وأخطر في ظل غياب الأجهزة الأمنية وفاعليتها للحفاظ على الأمن العام والخاص.

كلما يمر وقت زمني تنكشف الأساليب التدميرية ويتضح التواطؤ غير النزيه ما بين الكتل التي تعمل لإزاحة كتل او افراد غير مُنْظمة بطريقة لا تمت بقيد انملة مع ما اتفق عليه بما يسمى " التوافق" حتى لو اقتضى الأمر استخدام " نظام الازاحة البرجوازي " غير الأخلاقي ضد ما يدعونه "الخصوم" وبخاصة من أطياف اخرى او اتجاهات سياسية معارضة او تختلف بالرأي حول ادارة وبناء الدولة الحديثة التي تؤسس على أسس المواطنة وحرية الرأي وتناقل السلطة سلمياً وليس المحاصصة والتبعية

ان عملية إعادة بناء دولة المواطنة التي تحمي مصالح المواطنين وتدافع عنهم يحتاج الى التخلص من القوى الكبيرة ومن هيمنة السلاح والمال وإنهاء دور الفساد والفاسدين وهذا يحتاج الى جهود جبارة لا يمكن ان تتحقق فيها تلك المتطلبات في الوقت الراهن بسبب عقدية الأوضاع وتشعباتها وليس المعنى ترك  " الحبل على الغارب " لإشاعة الحريات المطلقة دون رقيب او حسيب للقوى التي لا يهمها مصالح البلاد ولا مصالح الشعب العراقي، الإصلاح الجذري يحتاج الى جهود  نضالية مكثقة من قبل القوى الوطنية والقوى التي ترتبط مصالحها بالحرية والديمقراطية وبالضد من الاحتلال والتدخل الخارجي في شؤون البلاد الداخلية

* ـــ أحد الامثال العربية الشهيرة

عرض مقالات: