شهدنا اوضاعاً عدة قد تمت بين تحالفات سياسية ذات ابعاد أيدلوجية او بدافع المشتركات في الهموم الوطنية. كانت على الاغلب لم تخرج عن المساحة الانتخابية التكتيكية. كما ان جلها يفتقر للبعد الاستراتيجي حتى في القوى الماسكة للسلطة، سيما وان الوضع السياسي العراقي يتسم بالنزاعات والتقلبات. تتولاه علل الفوضى واحتقار القانون والارتباك المبشر بالانهيار، من جراء التدخلات الخارجية او بوجود فاقدي الحس الوطني على راس السلطة، من اعداء الديمقراطية. الذين غالباً ما يتحولون الى دكتاتوريين يقطعون الجسور مع الاستحقاقات الوطنية، غير آبهين لحقوق ابناء جلدتهم. وهؤلاء ياتون بغفلة من الزمن عن طريق الانقلابات والدسائس ومخلفات التدخلات الاجنبية.
وفي المساحات الزمنية التي تتوفر فيها متنفسات ديمقراطية، تتجلى على إثرها عملية انتخابية بصورة شكلية ليس الا بسبب هيمنة القوى المتنفذة. ورغم ذلك تستنفر القوى الديمقراطية وغيرها استعداداً لخوض هذه العملية. فتنحو الجهود عادة الى تجميع اطراف القوى السياسية بتحالفات انتخابية لكي تنزل ببرناج انتخابي موحد. وربما يمتد الى مديات ما بعد عملية الاقتراع.. حينئذ يصبح الجميع في حالة اعادة غربلة نتائج الجهود التي بذلت وفي مقدمتها ثمار التحالفات الانتخابية . وهل كانت نافعة ابان عملية التصويت تحديداً، ام انها قد ادت فقط منفعة فردية اي ان كل حزب اوجهة انتخبت مشرحيها ، دون اعتماد مبدأ انتخاب الاجدر من مرشحي القائمة المؤتلفة. بمعنى ان التحالفات قبل عملية التصويت ما هي الا محطة اعلامية ينصب تاثيرها على الترويج فقط.
.بعد ذلك تسفر تلك الجولات عن حقيقة مؤداها ان التحالفات قبل الانتخابات لا تعدو عن كونها مظاهر اعلامية تاكتيكية " ضررها اكثر من نفعها " مع انها تاخذ من الجهود المادية والمعنوية النصيب الاكبر.. وهنا يبدو ان المؤشر يميل الى ارجحية قيامها فيما بعد ظهور نتائج الانتخابات، لكي يتبين حجم كل طرف، وتبرز مرحلة استتباب التوازنات الداخلية في التحالف المعني. وحينذاك ياخذ كل حزب مكانه على ضوء نتائجه مما سيخلق مناخاً لتوفير ضمانات للاستمرار وتطور العمل المستقبلي، دون حصول التزاحم على المواقع في القوائم وغيرها، بغياب موازين الارصدة الانتخابية. كما يتم معالجة نزعات الشعور بالافضلية لدى البعض على البعض الاخر جزافاً. وهي ايضاً من شانها الاسهام بغلق منافذ التسرب والانجرار وقبول الاغراءات من الخصوم المتربصين التي تستدرجهم في نهاية المطاف نحو الانفراط .
لسنا هنا نقدم موعظة في جدلية التحالفات، انما نحاول إنعاش الذاكرة السياسية. اذا ما اريد بناء جبهة قوى سياسية ذات مشتركات وهموم وطنية، على قواعد راسخة، ضمن اطار رؤية مدركة تؤكد على ان يتم تاسيس التحالفات على قاعدة ستراتيجية لكي تؤدي دورها المناط بها في اقامة الدولة المدنية الديمقراطية نحو التغيير الشامل . وفي المرحلة التي تسبق الانتخابات ايضاً، يمكن ان تكرس جهود القوى المتقاربة لوضع خارطة للمستقبل، على ان تكون من شأنها تمهيد لما بعد الاقتراع. بمعنى قيام التحالف البرلماني، وربما تحالفات واندماجات اخرى على برنامج سياسي موحد يملء مهمات شوط الخلاص من مخلفات نظام المحاصصة الفاشل.