جاء في أحد الأيام رجل يملك حصانا إلى طبيب بيطري، حيث كان الحصان مريضا، فقال الطبيب البيطري لصاحب الحصان:

- إذا لم يتعافَ الحصان في ثلاثة أيام، نقتله.

فذهب خروف كان قد سمع الحوار الدائر بينهما وقال للحصان انهض! لكن الحصان كان متعبا جدا. وفي اليوم الثاني قال له انهض بسرعة، لكن الحصان لم يقدر أبدا. ولما كان اليوم الثالث قال الخروف للحصان: إنهض وإلا سيقتلونك، فنهض الحصان أخيرا. فقال الفلاح وهو سعيد جدا:

- لقد نهض الحصان يجب أن نحتفل، اذبحوا الخروف!

  في عراقنا الجديد من غير المعقول ان نبلغ من القوة مقدارا، يمكّننا من تجاوز العقبات التي أتت بها السنين السابقة، وبمقدورنا النهوض وتعويض ما خسرناه في حياتنا، ومع ذا نقف موقف المتفرج، أو نتخذ سلوك المحايد، أو نتخبط كأصحاب أبيات الدارميات الثلاث الآتية، حيث قال الأول:

بمواسط الشمات مني الحمل طاح

ولا شفت واحد كال عد عينك ارتاح

فكان رد الثاني:

لو وكع حملي بضيج ما أشكي أمري

والله ارد اجمله طغار كوة على ظهري

أما الثالث، فله منحى مغاير عن صاحبيه، ولعل فلسفة يحملها أوحت اليه بالتالي:

لو وكع حملي بضيج بالكاع اخليه

أوكف سوية الناس واتفرج عليه

  ففضلا عن الأثقال التي خلفها النظام السابق على صدورنا، هناك تركة أخرى ثقيلة من سني الاحتلال، وفوق هذي وتلك، مافتئنا نضيفه ونجدده بشكل يومي، مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه كما يقول المثل: (فوك الحمل تعلاوة). وتعودنا أن نأتي دوما بالعلاجات البالية، مع علمنا بانعدام الجدوى منها.

يروى أن أعرابيا سئل يوما: كيف أنت في دينك؟ أجاب: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.

أرى أن هذا ديدن ساستنا ومسؤولينا لاسيما القادة منهم، فمسيرة المليون ميل في العملية السياسية باتت (خبط عشواء) وأظنهم يجهلون أين يضعون أقدامهم، كنقطة مثابة يبدأون منها الخطوة الأولى، وعلى مايبدو أن عشرين عاما غير كافية لتصويب الخطى وتوحيد الرؤى، إذ مانراه من تقدم في المسيرة بضع خطوات، يعقبه تقهقر متعمد فيها وانعكاس في اتجاهها أضعافا مضاعفة، ووصل ما يتفتق من رحم ساستنا من خروقات بحق الوطنية والمهنية، حدا يصعب معه التصحيح والتصليح، وما يقابله من حلول خجولة لاتكاد تصيب من عين النجاح ومرمى الفلاح إلا بقدر مايصيب الرامي حجرا في الظلام، ولعلي أصيب إن شبهت حال ساستنا في المشاكل وحلولها بمثلنا الدارج: (الشك كبير والركعة صغيرة).

  ويبدو ان مثلنا القائل: (الإيده بالثلج مومثل الإيده بالنار) ينطبق تماما على مايحدث في الهوة الكبيرة التي تفصل بين قبب مجالس البلد الثلاث، وبين المواطن المسكين الذي وضع يد الانتظار على خد الصبر وراح يصيح:

لأقعدن على الطريق وأشتكي

              وأقول مظلوم وأنت ظلمتني

   لقد آن الأوان - إن لم يفت بعد - للملمة جراحنا وهندمتها وتطبيبها بالعلاج الناجع والشافي بشكل جذري، لابترتيقها سطحيا وترقيعها شكليا، وبذا ننجو من الوقوع في فِخاخ لاتقوم لنا بعدها قائمة، وحينها يكون الحال كما قيل:

إذا ما الجرح رُمّ على فساد

             تبين فيه تفريط الطبيب

 

عرض مقالات: