كُنتُ قد أشرت في الجزء الخامس الى انقسام الشيوعيين الدنماركيين إلى أربعة أحزاب شيوعية (١٦)، يُضاف إليهم حزبان يساريان اشتراكيان هما حزب الشعب الاشتراكي SF وحزب القائمة الموحدة، الى جانب الحزب الاشتراكي الديمقراطي A (١٧)، الذي يُعدْ من أقوى مجموعات اليسار الدنماركي وأكثرها شعبيةً، ويلعب دوراً بارزاً في الحياة السياسية والبرلمانية.

لقد أدت هذه الإنقسامات إلى تهميش دور الشيوعيين الدنماركيين على الساحتين السياسية والبرلمانية في الوقت الذي سَعت قوى اليمين على التعاون والتنسيق فيما بينها ورص صفوفها لخدمة النظام الرأسمالي الاستغلالي والطبقة البرجوازية، وربطْ الدنمارك بحلف الناتو وبالإتحاد الأوروبي.

   وتداركاً لهذه الإنقسامات التي أضعفت دور الشيوعيين الدنماركيين وأدت الى نُسيان الشعب لنضالاتهم ، أصدر الحزبان الشيوعيان - الحزب الشيوعي الدنماركي والحزب الشيوعي في الدنمارك في شهر أيار الماضي بياناً (١٨) لإعادة التوحيد الشيوعي تحت شعار "سِر مع الشيوعيين"

جاء في البيان ما يلي:

استمدت الحركة الشيوعية قوتها في غرب وَ وسط أوروبا وكذلك القوى اليسارية الأخرى في كل من الشمال والجنوب الأوروبي من وجود عالم إشتراكي ، والذي خلال ثلاث عقود بعد الحرب العالمية الثانية وَصلتْ أصداؤه مركز الإمبريالية الأوروبية القديمة. وبالرغم من أن هذا تسبب في بعض المشاكل للأحزاب اليسارية الغربية في كيفية تعاملها في وضع المُثل العليا والأهداف الثورية موضع التنفيذ ، فإن العالم الاشتراكي وسياسته المُتسمة بالسلام وتطوّره الديناميكي كان حقيقة، وهذا تماماً بغض النظر عن أن مَنْ بيدهم السلطة اليوم يسعون لِمَحوِه من التاريخ.

  كان وجود الحركة الشيوعية وقوتها بمثابة البوصلة ومصدر إلهام وزخم لجميع قوى اليسار الأوروبي(١٩).

  أصبح هذا واضحاً عندما أزالت الثورة المضادة في اوروبا سنوات  1989-1991 الإشتراكية من خارطة أوروبا بضربة واحدة. وعندما تم رسم الحدود وَ وضعْ الحدود الجديدة  على الخريطة من قبل الرؤساء والسياسيين الشعبويين اليمينيين ، انقسمت الحركة الشيوعية الأوروبية ومعها جزء كبير من اليسار الأوروبي إلى ذرات ، شرعَ كل قسم منها في رحلة برّية نحو اليمين واليسار ، فإختفت البوصلة ، وأصبح الجو السائد والرياح هي التي تُحددْ المسار(٢٠).

  بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود من السلام إزدادت الأمور سوءاً. عادت أوروبا لتخوض الحرب ثلاث مرّات - أولاً في يوغوسلافيا ، ثم في القوقاز ، والآن في أوكرانيا.

 ومن المُلاحظ أن كل هذه الحروب وقعتْ وتحدثْ في الجزء الشرقي من القارة الأوروبية ، حين وصلَتْ القوى الرجعية إلى السُلطة والإمساك بها قدر ما تستطيع. ولم تكتفِ القوى اليمينية بإنتصارها ( أي بتصفية اشتراكية الشعب الشغيل) ، وإنّما سعوا الى المزيد من القوة والمزيد من الربح والمزيد من الموت والدمار ، بحيث هناك خط مستقيم وغير منقطع ، وسلسلة من الأسباب والتأثيرات  منذ سقوط جدار برلين إلى الحرب الحالية في أوكرانيا.

 لذلك هناك حاجة إلى حركة شيوعية قوية لمواجهة هذا الواقع المرير وَ وقف الموجة العارمة من الأكاذيب حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي ، والتي يتستر بها الحكام الغربيون ويُغطون بها على قمعهم لمعارضيهم وممارسة الإكراه والعنف.

 ومن أجل خوض هذا النضال الضروري يتطلّب الأمر وجود حزب شيوعي قوي. كان لدينا في يوم من الأيام مثل هذا الحزب في بلدنا (الحزب الشيوعي الدنماركي (DKP)) ، وهو الحزب الذي كان قادراً على قيادة النضال ضد الإستغلال والقمع ومن أجل السلام والعدالة(٢١).

 وإدراكاً لهذه الضرورة، انضم الحزبان (الحزب الشيوعي الدنماركي والحزب الشيوعي في الدنمارك) مَعاً في عملية تهدف إلى إستعادة هذه القوة - نحو إعادة توحيد الحزب الشيوعي الدنماركي التاريخي (٢٢).

  نحنُ نتحدث عن إعادة التوحيد ، لأنّ ما هو المطلوب مِنّا هو إعادة التجميع من جديد لتلك القوى ، التي كانت في يوم من الأيام واحدة، وتملك تاريخاً مشتركاً ، لإعادة توحيد القوة الثورية الأولى للشعب الدنماركي ، وليس لتأسيس حزب جديد آخر من بين العديد من الأحزاب الأخرى(٢٣).

  هذه كانت مُقدمة لمِسودة مؤتمر إعادة التوحيد الذي سيُعقد في سبتمبر 2023(٢٤).

 كما جاء في البيان الإيضاح التالي: منذ أن بدأت العملية عام 1989، أدركنا معاً أن الرأسمالية لا تدعو للسلام، وهذا كان سبباً من بين أسباب أخرى وراء مغادرة الحزب الشيوعي في الدنمارك من قوام الحزب الشيوعي الدنماركي في عام 1990 عندما انضم الحزب الشيوعي الدانماركي كحزب إلى القائمة الموحدة

( Enhedslisten).

 على الرغم من تطور القائمة الموحدة إلى حزب رسمي ، تمكن الحزب الشيوعي الدنماركي المُنضم اليها من الإحتفاظ بكيانه الحزبي رغم العديد من المحاولات لتصفيته.

وينتهي البيان بالنداءات التالية:

  الحزب الشيوعي الدنماركي هو حزب السلام.

  أوقفوا المُنح والمبالغ المخصصة للحرب! ، فلتخرج الدنمارك عن الناتو وعن الاتحاد الأوروبي!

 نعم من أجل السلام والازدهار!

...................................

 (١٦) هي الحزب الشيوعي الدنماركي DKP ، الحزب الشيوعي في الدنمارك KPiD ، الحزب الشيوعي KP و حزب العمّال الشيوعي APK.

 

(١٧)  تأسس بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 1871 وله تمثيل كبير ودائم في البرلمان الدنماركي، وقادَ حكومات يسارية عديدة في فترات مختلفة. حالياً يقود حكومة إئتلافية مع أحزاب يمينية.

(١٨) نشرته جريدة الشيوعي، التي يُصدرها الحزب الشيوعي في الدنمارك - عدد أيار 2023

(١٩) نفس المصدر السابق

(٢٠) نفس المصدر السابق

(٢١) نفس المصدر السابق

(٢٢) إن يقظة الشيوعيين الدانمركيين وسعيهم نحو التوحيد ينبغي ان تجد طريقها عند الأحزاب الشيوعية الأخرى التي تُعاني من مثل هذه الانقسامات بسبب الإختلاف في الإجتهادات الفكرية أو المواقف السياسية، وهي دعوة جدية من أجل توحيد الجهود والوقوف صفاً واحداً في مواجهة الرأسمالية المتوحشة - الكاتب

(٢٣) البيان الخاص بالتوحيد الصادر في شهر أيار - جريدة "الشيوعي"  للحزب الشيوعي في الدنمارك.

(٢٤) هنريك هيدن- الرئيس الحالي للحزب الشيوعي الدنماركي.

 

 

 

عرض مقالات: