في ضجة الجدل السياسي الساخن حول خراب ما سميت بـ " العملية السياسية " على الساحة العراقية. تتلاقى اراء وتتصادم اخرى، ويكاد يقنعك بعضها، وفي ذات الوقت يستفزك جهل واصوات نشاز تدل على منابع متخلفة، او انها واردة لتسويق مأرب او اهداف مريبة. لا شك ان غبار مثل هذا العجاج السياسي يخلف مضاراً، في اولها التعتيم على فضائح حصاد فشل صار عمره عشرين عاماً عجافاً، يغلب في اذاه ما قام به سلفه الدكتاتوري المباد. حيث تركاته الكابحة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. لقد تجلى ذلك حيث كشر عن انيابها مؤخراً بالتجاوزعلى اعرق منظمة ديمقراطية " اتحاد الطلبة العام في الجمهورية . كان عملاً مستنكراً ومداناً.

بمطلق الاحوال يبقيا حلماً وحملاً ثقيلان مطروحان على ظهر قافلة حرك التغيير الديمقراطي التي تشق طريقها بمعاناة فوق معدل التحمل البشري بغية تصحيح المسار. ولكن راح  يسمعك البعض حلولاً وسبلاً لا تتلامس مع الواقع المتازم، حيث يطرح ما يتمناه كواقع  مسلم به.. واضعاً حاله حال ذلك الشخص الذي يكذب الكذبة ويصدقها. وليس غريبأ ان تسمع مثل هذه الأماني في ظل انعدام افق الحلول اي على قاعدة التعلق بـ " قشة ".

ومن المفاهيم الواهمة: يأمل البعض بان التيار الصدري بات قاب قوسين او أدني من العودة الى الساحة السياسية. في حين اعلنها ( سماحة السيد الصدر) بكل وضوح بانه لن يشترك بالانتخابات طالما سيشترك فيها الفاسدون.. الذين ليسوا مجهولين ويسميهم بـ "الاطاريين" وهؤلاء يقودون السلطة الحالية، وهم الذين سيعدّون للانتخابات ويديرونها ايضاً بواسطة حكومتهم التي يرأسها مرشحهم السيد " محمد السوداني " ناهيك عن امتلاكهم ثقلاً من المال المنهوب والسلاح المنفلت. لذا ليس بالامكال ازاحة هؤلاء عن العملية الانتخابية بالرجاء منهم  لكي يخرجوا  تاركين مكاسبهم الثمينة التي تملأ عن الشمس. اما الحديث عن عودة التيار الصدري لحراك الشارع فهذا بحكم (الانسحاب الشرعي) للسيد الصدر بات نسياً منسيا. مع ذلك ربما يجوز القول لا يوجد مستحيل بالسياسة. الا انه لا توجد فرصة لدى قوى حراك التيار الصدري المقيّد لارادة زعيمه الذي ينفرد بالقرار.. ويمكن محاكات حالة التفرج على مجريات التدهور في اوضاع البلاد. وحالة التجميد المليونية لقوى الصدريين ما زالت على حالها ومازالوا  غير معفيين عن تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية ازاء مصير العباد والبلاد.

اما المتفاؤلون بهمة السيد السوداني لاصلاح الاوضاع، لم يختلفوا بفهمهم الواهم عن امثالهم. وللاسف لم يقرأوا مستجدات اللوحة جيداً، وما يسجله السيد السوداني من (تغليس) امام تصرف وتسلكات وزراء الاحزاب الحاكمة التي اخذت تنفلت بالاستحواذ على القرار وتطبيقه وفقاً لايدلوجيتهم الظلامية.. شاهدنا على ذلك التصرف تجاه (اتحاد الطلبة العام) هذه المنظمة الباسلة التي خاضت النضال ضد القوى الرجعية والانظمة الدكتاتورية منذ ان تأسست في نيسان عام 1948 وواصلت الكفاح مع قوى شعبنا في أحلك الظروف، وقادة الوثبات والانتفاضات منذ الخمسينيات، وقدمت الشهداء حتى في ايامها الاولى. والسيد السوداني  لم تهزه حتى تعهداته ازاء الديمقراطية والحريات العامة والخاصة، ولم يحرك ساكناً تجاه هذا التجاوز الصبياني. بيد انه قد غاب ايضاً عن السرّاق الذين تقاسموا اموال الضرائب (سرقة القرن) مكتفياً بالقبض على حصة اللص المحترف المكلف المحمي " نور زهير " الذي لم يبرح في المعتقل سوى ساعات بعد ان هددهم بكشف المشاركين معه.

ان المفاهيم التي تبنى على الامنيات ليست لها تصريف في سوق السياسة الوطنية العراقية. وما زال البعض من الذي يراهنون على وقوع " القارعة " من سلطان. حتى يتم التغيير. ويحتمل ان التدخل الخارجي المذل، قد زادهم زهداً عن النضال المتواصل لاسقاط نظام المحاصصة الفاشل، معويلون على من يهديه الرب الجليلي ويأتي لانقاذهم، على غرار احتلال عام 2003 دون ان يحرك مشاعرهم ما حصل في البلاد. ولم يدركوا للان ان التحرر الوطني لن يأتي الا من ابناء البلد. ودون ذلك يصبح عون الاخرين خاضعا لدفع الثمن، الذي يصل في احيان كثيرة على حساب السيادة وكرامة المواطنين. وثمة تجارب قريبة وبعيدة.

عرض مقالات: