هل لبناء دولة المواطنة؟ أم ترسيخ نهج الدولة الفاشلة ؟

أشارت الدراسات إلى أن عدد القتلى هناك قد تجاوز هذه التوقعات بشكل كبير في السنوات الـ 12 التالية لسقوط صدام. وانحدر العراق والمنطقة بأسرها الى الفوضى، وهو ما مهد الطريق للتطرف الذي ترعاه “الدولة الإسلامية”.
هناك أسباب عديدة للتمتع بنهاية دكتاتور. هذا يعني أن المجرم لم يعد في موقع القوة.

ويعني أيضاً أن هناك احتمالاً أن الديمقراطية قد تترسخ في مكانه. وبعض الناس يعتقدون أيضاً أن أي شيء أفضل من الاستبداد. ولكن، هذا الاعتقاد الأخير غير صحيح.

ما هو دور الدولة؟

أظهر العقد الماضي أن هناك شيئاً أسوأ من الديكتاتورية، أسوأ من غياب الحرية، وأسوأ من القمع، وهو الحرب الأهلية والفوضى. “الدول الفاشلة”، والتي تمتد حالياً من باكستان إلى مالي، وتُبيّن أن البديل عن الديكتاتورية ليس بالضرورة هو الديمقراطية.

في كثير من الأحيان، هذا البديل هو الفوضى. وفي السنوات القادمة، لن يتم تعريف السياسة الدولية من خلال الاستقطاب بين الدول الديمقراطية والاستبدادية، بقدر ما سيتم تعريفها من خلال التناقض بين الدول الناجحة (أو القادرة على أداء وظائفها) والدول الفاشلة (أو غير القادرة على أداء وظائفها).

شهدت ألمانيا فترة طويلة أخرى من الفوضى منذ نحو 400 عام خلال حرب الثلاثين عاماً. وخلال فترة طويلة من السلام والاستقرار الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، أصبحنا في الغرب ننظر إلى الاستمرارية السياسية كمعيار.

وفي يوغوسلافيا، أصبح فيما بعد واضحاً أيضاً أن إسقاط الطغاة أسهل بكثير من إقامة الديمقراطيات. وعلى الرغم من أن بضعة أسابيع من القصف كانت كافية عموماً لإسقاط الأنظمة الاستبدادية، مثل تلك التي أدارها ميلوسيفيتش ، صدام ، القذافي ، أو الملا عمر، إلا أنه ، وحتى في أوروبا ، وفي المناطق الصغيرة نسبياً، مثل البوسنة والهرسك وكوسوفو، استغرق الأمر سنوات لإقامة دول نصف مستقرة مع حكومات ديمقراطية بشكل معقول.
وكان الجهد لفعل هذا هائلاً ، سواءً من حيث المال أو العمل .

لسنوات كانت السيطرة في البوسنة إلى حد كبير في يد الممثل السامي في البوسنة والهرسك، وهو المكتب الذي أنشئ بموجب اتفاق دايتون للسلام. بينما في كوسوفو، أدارت الأمم المتحدة البلاد.

أهمية الاستقرار:

وكل هذا يثير السؤال التالي:

هل الاستقرار قيمة في حد ذاته؟

غالباً ما ينظر الى أولئك الذين يقومون بالإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب على أنهم لا يمنحون أهمية كبيرة للحرية وحقوق الإنسان.

ولكن الحقيقة غير المريحة هي أن الديكتاتورية في كثير من الأحيان أفضل من الفوضى، عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى التوق للنظام، وأحياناً بأي ثمن.

وغالباً ما يمهد الطريق للمتطرفين.

كان ذلك صحيحاً في ألمانيا في نهاية جمهورية فايمار. وفي أفغانستان، حيث دفعت فترة من الاضطرابات بعد الانسحاب السوفيتي إلى صعود حركة طالبان.

والآن ( الدولة الإسلامية ) قد ظهرت في العراق وسوريا.

وهذا هو السبب في أن رقعة عدم الاستقرار السياسي التي تمتد من باكستان إلى مالي مربكة للغاية. 
في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على أجزاء واسعة من أراضيها، وأصبحت بلدان بأكملها غير قابلة للحكم.

القبائل والعشائر تتقاتل مع بعضها البعض، في حين يسيطر أمراء الحرب على السلطة، على الأقل حتى يفقدوها مرة أخرى.

فشل دمقرطة العراق، وعدم نجاح “الربيع العربي” في سوريا، غذيا صعود “الدولة الإسلامية”. في أي من هاتين الدولتين لا يوجد فرصة واقعية حالياً لنجاح الديمقراطية.

هذا غير جذاب ولكنه صائب ؟:

هذا النوع من الحجة ليس جذاباً، حيث إن له، كما هو الحال، رائحة السياسة الواقعية الباردة. وهو اعتراف بعجز الغرب، وبمحدودية قدرته على تصدير قيمه ونمط حياته.

وهو يبدو وكأنه استغناء عن المثل العليا. وهو أيضاً كثيراً ما يستخدم كحجة لتبرير التعامل مع الحكام المستبدين، وأسوأ من ذلك، يوفر للطغاة مبرراً لسياساتهم القمعية.

يمكن للديمقراطية أن تعمل فقط في بيئة يوجد فيها على الأقل حد أدنى من الاستقرار. ولا يمكن للديمقراطية بالضرورة تأسيس هذا الاستقرار بنفسها. في العراق ومصر، فشلت تلك العملية، على الأقل في الوقت الراهن.

دون عملية التعلم الثقافية، مثل تلك التي مرت بها أوروبا على مر القرون، إسقاط دكتاتور وإجراء انتخابات ليست كافية لإقامة الديمقراطية.

وعلى هذا النحو، ينبغي أن يثمن الغرب الدول القادرة على أداء وظائفها بدرجة أكبر في المستقبل، يجب أن تدرس البدائل بجدية.

وفي الواقع، هذه هي بالضبط حجة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المستخدمة مؤخراً لتبرير تحفظه بشأن استخدام القوة: “هذا هو الدرس الذي أطبقه

في كل مرة نطرح فيها هذا السؤال: هل ينبغي علينا التدخل عسكرياً؟ هل لدينا إجابة لليوم التالي ؟”
الفوضى مقابل الاستقرار: الدكتاتوريات والفوضى تسير جنباً إلى جنب .

وهذه الأطروحة مغرية، واكتسبت زخماً متجدداً منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. الربيع العربي بالغ في أحلام تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط.

والآن، بعد أن أصيب المثاليين بخيبة أمل في كل مكان تقريباً، عاد أنصار ما يسمى بالواقعية السياسية لمناقشة مرة أخرى أنه، وعلى الرغم من أن رسالتهم المؤيدة للاستقرار قد تبدو غير شاعرية وربما محطاً للسخرية، إلا أنها واقعية. ولكن هل هي كذلك حقاً؟

الخطأ هنا يكمن حتى في وصف الدكتاتورية على أنها مستقرة. إذا كانت ديكتاتوريات حسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وزين العابدين بن علي في تونس، مستقرة، لما كانت انهارت؟

ورغم ما قد يعتقد البعض، مسار الانتفاضات العربية لا يدعم حجة أن الدكتاتورية هي البديل الأفضل للفوضى. لقد انهارت أساسات هذه الأنظمة بسبب البطالة بين الشباب، المشاكل الاقتصادية، وتدهور مؤسسات الدولة.