صني مورغان ناشط مناخي من جنوب إفريقيا. وهو عضو في حركة "الصعود" المحلية، ومؤسس مشارك لحركة "ديون المناخ" بدأ نشاطه في مكافحة الفصل العنصري في الثمانينيات ونشط في الحركات الاجتماعية منذ 45 عامًا تقريبا. يمتلك ويدير شركة للطاقة الشمسية. في حوار معه نشر في موقع مؤسسة روزا لوكسمبورغ اليسارية الألمانية، تحدث مورغان عن مطالب الحركة، والعلاقة بين المناخ والديون والاستعمار. فيما يلي عرض لاهم الموضوعات التي طرحها مورغان.

 مقدمة

 مرت في 27 شباط 2023 الذكرى السبعين لاتفاقية لندن. التي اتفقت بموجبها البلدان الغربية وحلفاؤها في 27 شباط 1953 على التنازل عن حوالي نصف الديون الخارجية لألمانيا الغربية (وريثة النازية المهزومة على الساحة الدولية) وإعادة التفاوض بشأن شروط نصف الدين المتبقي. في العام الحالي، يدعو النشطاء إلى نقل هذا النهج في التعامل مع بلدان جنوب الكرة الأرضية.  وأطلقوا حملة "الغاء الديون من أجل المناخ"، لأن البلدان المثقلة بالديون في الجنوب العالمي ليست قادرة على إدارة التحول إلى اقتصاد صديق للمناخ ولا يمكنها توفير الحماية، ومواجهة عواقب الاحتباس الحراري.

 الديون مقابل المناخ

 تهدف الحملة الى إعفاء بلدان جنوب العالم من جميع الديون المستحقة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويمثل ذلك حماية مباشرة للمناخ، لأن الدين والمناخ مترابطان: بلدان الجنوب تستخرج الوقود الأحفوري وتبيعه للحصول على النقد الأجنبي. غالبًا ما يذهب هذا الدخل مباشرةً إلى خدمة الديون، ومعظمه لتسديد الفوائد. لكن مدفوعات الديون الضخمة، تشل بلدان الجنوب، ولهذا تعجز هذه البلدان عن دفع أجور مجزية للعاملين في القطاع العام، ولا يمكنها توفير رعاية طبية أساسية لمواطنيها، وخلال انتشار وباء كورونا، عجز الكثير من هذه البلدان عن توفير اللقاحات. من ناحية أخرى، ستستمر خدمة الديون وقيمة الفوائد المتراكمة.  سيسمح التنازل عن جزء من الديون لهذه البلدان تلبية احتياجات مواطنيها. والتحول، حيثما أمكن، إلى الطاقة المتجددة، وبناء بنية تحتية مستدامة. هناك حاجة ماسة، لمثل هذا الإلغاء، ويجب على دول الشمال الغنية تبني هذه المطالب. 

الديون وأزمة المناخ، والاستعمار أيضا حلقات مترابطة، و الصورة في افريقيا تبدو أوضح .

ترتبط ديون المناخ في بلدان شمال العالم بمسؤوليتها لقرون عن العبودية والاستعمار. لقد أدى استغلال موارد بلدان الجنوب، منذ بداية الثورة الصناعية، إلى حدوث أزمة المناخ. وتمثل قيمة هذه الموارد المستخرجة، والتي لا تزال تتدفق من الجنوب إلى الشمال، ديناً لم يتم سداده بعد، لقد تم استغلال السكان الأصليين وأرضهم وتدمير ثقافتهم وسبل عيشهم. ويتعين على بلدان الشمال الآن سداد الدين، لأنها مسؤولة عن هذا الظلم.  ومن ناحية أخرى، فإن حصة إفريقيا أقل من 4 في المائة من الانبعاثات العالمية فقط، لكنها تعاني أكثر من غيرها من العواقب المترتبة على ذلك، والعدالة هنا مفقودة. تسجل إفريقيا ارتفاعًا في درجات الحرارة بمقدار 1,2 درجة أكثر من مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ويتزايد الجفاف في المناطق الأكثر عرضة للجفافً، بينما تحدث الأمطار الغزيرة والفيضانات في المناطق الأكثر رطوبة. وأصبحت تقلبات المناخ المتطرفة مثل الأعاصير أكثر تواترا. لقد ثبت علميا، ان أزمة المناخ ليست حلما مستقبليا، بل واقعا معاشا. سيشهد سكان افريقيا قريبًا من 10 الى 100 مرة تحولات مناخية متطرفة، وهذا أمر مخيف.

 قضايا مطلوبة

 يجب على ألمانيا دعم مطالب النشطاء والسكان الأصليين في الغاء جزء من الديون. ويجب أن تعترف ألمانيا بحجم استفادتها من تخفيف عبء الديون بعد الحرب العالمية الثانية. وينبغي عليها مساعدة البلدان المثقلة بالديون في جنوب الكرة الأرضية بهذه الطريقة. ويمكن لألمانيا توظيف نفوذها كعضو له حق التصويت في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم هذه المطالب. في حزيران الفائت، وعد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر من الحزب الليبرالي الحر بدعم الحملة، لكنه لم يف بوعده.  وستعمل المنظمات العاملة في الحملة، في الاجتماع المقبل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تحميله المسؤولية. وفي اجتماع نيسان الحالي، يجب عليه أخيرًا تقديم هذه المطالب. ويجب على الاتحاد الأوروبي أيضًا أن يأخذ طلب الإعفاء من الديون على محمل الجد، فان معظم دوله الأعضاء، كانت دولًا استعمارية، وبالتالي من واجبها القيام بدورها. أما الأمم المتحدة، فإن التصريحات التي أدلى بها الأمين العام أنطونيو غوتيرز مشجعة. وقد اعترف بان أزمة المناخ ملحة، وانتقد شركات الطاقة الأحفورية لمواقفها الازدواجية. ان للأمم المتحدة دورًا مهمًا: يجب أن تطالب بإضفاء الطابع الديمقراطي على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن المعيب، يتقاسم الامريكيون والأوربيون، حتى اليوم، رئاسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لقد حان الوقت للقضاء على هذه الانتهاكات. يجب أن يأتي الرؤساء القادمون لهذه المؤسسات من جنوب الكرة الأرضية، عملا بالرئاسة الدورية لهذه المؤسسات.  هذا هو الحد الأدنى لمطالب المنظمات وناشطيها. ولهذا يجري التأكيد على دعوة الأمم المتحدة إلى اتخاذ زمام المبادرة بجرأة، وتقديم هذه المطالب نيابة عن جنوب الكرة الأرضية، حتى في الوقت الذي تواجه فيه الأمم المتحدة نفسها المطالبات بإعادة هيكليتها.

 والاحتكارات العالمية

 ليس فقط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن أيضًا الشركات متعددة الجنسية هي الأخرى مسؤولة عن ارتفاع معدلات الديون لبلدان الجنوب. لقد عملت العديد من هذه الشركات مع سياسيين حكوميين فاسدين ومستثمرين مشبوهين. وفي جميع أنحاء القارة الأفريقية، تمول هذه شركات مثل شركة "بلاك روك" استكشاف وإنتاج النفط والغاز، مع ما يترتب على ذلك من اضرار مدمرة للبيئة والسكان الأصليين. وحتى اليوم، لا تزال البنوك الكبرى تمول مشاريع للترويج للوقود الأحفوري الذي لا يتوافق مع هدف مؤتمر المناخ البالغ 1.5 درجة. يجب محاسبة هذه الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، ويجب على المجتمع المدني أن يستمر في شجب دورها في تدمير الكوكب. ومن الضروري مواصلة الضغط من أجل تمرير قوانين البيئية، على ان تنص على عقوبات قاسية، تشمل أحكامًا بالسجن، للمدراء التنفيذيين وممثلي هذه الشركات التي تعرض الجميع للخطر.

 27 شباط

 اعتمد المنظمات البديلة يوم 27 شباط، يوما عالميا لتحقيق مطالبها، في مثل هذا اليوم من عام 1953، تم التوقيع على اتفاقية لندن، التي بموجبها تم الغاء 50 من ديون المانيا الغربية. جاءت الاتفاقية بعد ثماني سنوات فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت خطوة أكثر من ضرورية لألمانيا الغربية. لقد تمت إعادة التفاوض على الديون المتبقية بشروط مواتية للغاية، مقارنة بالشروط المفروضة على بلدان الجنوب اليوم. يتعين على هذه البلدان الآن سداد ديونها بأسعار فائدة عالية وبالعملات الأجنبية قبل أي نفقات أخرى تقريبًا. أدت التسهيلات الممنوحة الى ألمانيا الغربية حينها، الى إعادة بناء واستقرار اقتصادها. وألمانيا  اليوم، هي أكبر اقتصاد في أوروبا ورابع أكبر اقتصاد في العالم. وبالتالي، ما كان جيدًا لألمانيا في عام 1953 يجب أن يكون صحيحًا ومناسبًا للجنوب العالمي في عام 2023.  خلال الحملة، جرى التركيز على ألمانيا وتظاهر الناشطون أمام السفارات الألمانية في جميع انحاء العالم. وتم تسليم قائمة بالمطالب إلى وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر. ويجب أن توظف المانيا تأثيرها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للمطالبة بتخفيف عبء الديون عن بلدان الجنوب، خاصة البلدان المثقلة بالديون حاليًا.  لقد أعلنت ألمانيا مؤخرًا عن استراتيجية جديدة للتعامل مع جنوب الكرة الأرضية وإفريقيا، تعترف بموجبها بماضيها الاستعماري. لذلك سيكون هذا الوقت مثاليا لألمانيا للمضي قدمًا في الحديث ودعم الدعوة العالمية لتخفيف عبء الديون.

 الحاجة الى الدعم والتضامن

 ولضمان نجاح الحملة، وجميع الجهود المبذولة، هناك حاجة لدعم المجتمع بأسره، وخاصة العمال والنقابات، لقدرتهم على الضغط بواسطة الاضراب عن العمل، وبالتالي إجبار الشركات على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. والمطلوب أيضًا أن يدرك المجتمع المدني وحركات المناخ أنه عبر فرض التنازل وإعفاء دول الجنوب من الديون ، يتم  تحقيق شيئ ملموس في ملف مواجهة ازمة المناخ: إذا تم إلغاء الدين ، يمكن للجنوب العالمي أن ان يحتفظ بوقوده الأحفوري وغيره من المواد الخام ، التي تبلغ قيمتها بليونات من الدولارات في باطن الأرض، على ان يجري مستقبلا التعامل معها بطريقة صديقة للبيئة.

عرض مقالات: