حينما اندلعت وثبة كانون الثاني في اليوم السابع والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث، لم يكن اتحاد الطلبة العراقي العام قد ظهر للوجود بعد لكن الطلبة الشيوعيين والديمقراطيين كانوا المحرك الفعال لها بالإضافة إلى العمال وبقية شرائح المجتمع العراقي الوطنية، وفي هذا الوقت كان الرفيق يوسف سلمان فهد أحد أبرز قادة الحزب الشيوعي العراقي في السجن لكنه كان على مقربة من أحداث الوثبة ومن التهيئة لتشكيل اتحاد الطلبة، وكان يمدهم بملاحظاته القيمة وتوجيهاته المفيدة وهو يتلمس نجاح الوثبة في تحقيق عدد من أهدافها الوطنية ..وتمخضت جهود الطلبة وخاصة الشيوعيين في عقد مؤتمر تأسيسي لاتحادهم في بغداد العاصمة في يوم 14 نيسان عام 1948 بعد أن استقر رأيهم على عقده في سينما روكسي في شارع الرشيد، ولما بدأت الوفود بالتجمع للدخول للسينما وإتمام نجاح عقدهم للمؤتمر التأسيسي كانت الشرطة الملكية لهم بالمرصاد فقامت باحتلال السينما ومنعتهم من تحقيق ذلك الحدث الهام في تاريخ العراق وخصوصاً الطلبة الديمقراطيين قبل الشروع بعملهم الوطني متذرعة بأن الحكومة حجبت الترخيص الرسمي لعقد المؤتمر ! في الوقت الذي كان به الطلبة وخاصة الشيوعيين قد أخذوا الاحتياطات اللازمة واستعدوا لعقده في مكان بديل وفي منطقة عمالية معروفة في شارع الشيخ عمر وفي ساحة السباع، وقد تهيأ العمال بسواعدهم السمر لحراسة المؤتمر، وقد تم ترك عدد من الطلبة قبالة سينما روكسي لتبليغ القادمين للمؤتمر بتغيير الوجهة إلى ساحة السباع، وهذا ما تم فعلاً للجميع الذين عزز تواجدهم المشاركة الفعلية والضرورية للمؤتمر، وكان لحضور الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري أثره العظيم والقائه قصيدته والتي كان مطلعها..

 يوم الشهيد تحية وسلام.. بك والنضال تؤرخ الاعوام
بك والضحايا الغر يزهو شامخاً ..علم الحساب وتفخر الارقام

كذلك حضرت نخبة من كبار السياسيين ورجال العلم والشعراء والمبدعين ومنهم الشاعر بدر شاكر السياب بالإضافة إلى العمال الواعين والمساندين لإخوتهم الطلبة ..كان حضورهم في الفضاء المكشوف وتحت شمس بغداد في ميدان الأسود، وكانوا من مختلف مدن العراق بقومياته واديانه، وقدرت مصادر الحزب الشيوعي العراقي عدد الحضور كما يؤكد الباحث الفقيد حنا بطاطو بين 5000 إلى 6000 شخص، وكانت من أبرز مهام المؤتمر هو حل مشاكل الطلبة وربط المسائل الطلابية بتلك الاجتماعية وتعبئة الطلبة في خدمة الاستقلال والديمقراطية وضد الامبريالية، وبعد الأشعار والمداخلات من المندوبين تم تعيين لجنة تنفيذية دائمة ورشح رئيسا لها الطالب جعفر اللبان وهو شاب في الحادية والعشرين من العمر ومن اهالي الحلة رئيسا، وكان شيوعيا ويدرس في المعهد العالي للمعلمين، وانتخب ابو زيد صلال نائبا للرئيس وخلوق امين زكي سكرتيرا وعبد الجبار شوكت اميناً للصندوق ومحمود الجنابي وهادي هاشم ومحمد عبد الله رستم اعضاء في اللجنة التنفيذية، كما وشارك في المؤتمر من الشيوعيين البارزين الشهيد جورج تلو والرفيق عمر علي الشيخ ابو فاروق ( الذي شغل لفترة طويلة عضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي ولا زال على قيد الحياة في اربيل الآن ) ومعه زميله عبد الرزاق مطر وكانوا يمثلون كلية الهندسة، وكذلك حضر ابراهيم الشيخ نوري وابراهيم عبد الحسن وعناصر شيوعية اخرى كثيرة واسهمت مناقشاتهم الحيوية في نجاح اعمال المؤتمر التأسيسي الاول الذي نحتفل بذكراه الخامسة والسبعين هذا العام 2023..ثم انتخبت اللجنة التنفيذية من قبل المندوبين وكان عددها 23 طالبا كان من بينهم 12 عضوا في الحزب الشيوعي اي أكثر من النصف ! كذلك سيطر الشيوعيون على عمل مكتب السكرتارية بأن شغلوا خمسة مقاعد من مقاعدها السبعة وكان من بينهم هادي هاشم الذي صار لاحقا وبعد ثورة 14 تموز عام 1958عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي.. ثم انضم اتحاد الطلبة العراقي العام إلى الاتحاد الدولي للطلبة.. وخلال كل تاريخ الاتحاد الممتد لخمسة وسبعين عاماً كان الطلبة الشيوعيون يتصدرون المواقع القيادية في الاتحاد ولذلك امتاز نضالهم بالإضافة إلى المطالب بحقوق الطلبة، بالاهتمام بالقضايا السياسية الوطنية ولذلك كانت تلاحقهم جميع الحكومات الملكية والجمهورية كلما لاحقت الشيوعيين والعناصر اليسارية المخلصة للوطن ووجهت اليهم ضربات قاسية ابتدأت في عام 1948 إلى عام 1949 وتم فيهما اعتقال وسجن عدد كبير من كوادره وقياداته ولعدة سنوات، ومنهم جورج تلو وابراهيم حسين وعبد الرزاق مطر وخلوق أمين زكي وآخرون، وتعرض الطلبة في جميع المحافظات إلى التنكيل بهم وقدموا خيرة شبيبة العراق ومن الجنسين شهداء جنباً إلى جنب شهداء الحزب الشيوعي العراقي، وشكل هذا الحدث التاريخي منعطفاً هاماً في تاريخ العراق وخصوصاً الحركة الطلابية العراقية وعملها الجماهيري الديمقراطي بين جماهير الطلبة، وجاء تتويجاً للتوجيهات الصائبة للرفيق الخالد فهد الذي وجههم وخاصة الشيوعيين منهم في الكليات والمعاهد وحتى في الاعداديات بضرورة تشكيل لجان طلابية والتي ركزت في عملها على القضايا الاجتماعية والثقافية في بداية تكوينها ..وكانت شعارات مؤتمرات الاتحاد تؤكد على (..في سبيل حياة طلابية حرة ..في سبيل مستقبل أفضل )..ثم نشأت جمعيات وروابط طلابية تابعة لاتحاد الطلبة العام في عدد من دول العالم التي كان يدرس فيها الطلبة العراقيون وكان شعارهم الرئيسي هو .(.التفوق العلمي والعودة للوطن ) بالإضافة إلى شعارات الاتحاد الرئيسية المعروفة. وخلال حقبة تأسيس الجمهورية العراقية وحكوماتها لم يتخلص الاتحاد والمنضوون إليه من الملاحقة والتنكيل بهم وخاصة إبان فترة السبعينات في ظل حكومة البكر وصدام إلى أن ضغطوا على الحزب الشيوعي العراقي الذي كان متحالفاً معهم في جبهة (وطنية بالاسم ...! ) بأن يقوم بخطوة تجميد الاتحاد وسائر المنظمات الديمقراطية الاخرى كاتحاد الشبيبة ورابطة المرأة لكي ينفردوا بالساحة بمفردهم ويشحنوا الاجواء بأفكار حزب البعث المعادية للديمقراطية وحرية الافراد، ومن المؤسف أن يجري سحب ممثلي اتحاد الطلبة من مواقعهم في الاتحاد العالمي للطلبة بضغط من الحكومة العراقية واصرارها على ذلك لإتاحة المجال لممثلي الاتحاد الوطني التابع لحزب البعث لشغل مواقع زملائنا فيها ولو لبعض الوقت! وبعد الحملة الشرسة ضد الحزب الشيوعي وخصوصاً اوائل عام 1979 حيث بدأ اتحاد الطلبة وسائر المنظمات الديمقراطية والتي تم حلها بشكل قسري بأن تستعيد مواقعها الدولية وتعاود ممارسة نشاطاتها وبقوة بالوقت الذي انحسرت فيه منظمات السلطة المعروفة باتجاهاتها المناوئة لحقوق الانسان على كافة الاصعدة ..المجد لاتحاد الطلبة العراقي العام في ذكرى مولده الخامسة والسبعين يوم 14 نيسان عام 1948 وباقات من الورود الحمراء على أضرحة شهداء الاتحاد الكثر ومن جميع المحافظات العراقية ..ستبقون الزهور الحمراء الجميلة التي تطرز صدور الطبقة العاملة العراقية.. المجد لكم ولاتحادكم المجاهد..

عرض مقالات: