اجلالا لذكرى والدي المعلم عبد الستار كاظم ومعلمي بلادي النجباء

حرص المعلمون الاوائل على تقديم عصارة علمهم وجهودهم من أجل اعلاء شـأن مهنة التعليم فوضعوا لها القواعد والقوانين وفتحوا المعاهد والكليات لتخريج المعلمين والمدرسين - المعلمين للتدريس في المدارس الابتدائية والمدرسين للتدريس في المدارس الثانوية والاعدادية - واختاروا للإدارة رجالا أكفاء نهضوا بمهام ادارة المدارس على أفضل وجه، فحصلت المدارس على سمعة طيبة وكان لبعضها قصب السبق فيتهافت على الانتساب لها الاذكياء من الطلاب.

وزادوا على الادارة جهازا آخر هو التفتيش والذي أصبح فيما بعد الاشراف التربوي، مهامه الاشراف الميداني على المدارس والهيئات التعليمية والادارية، ينهض به مشرفون - مفتشون - لهم خبرة جيدة في التعليم والادارة يتابعون المدارس موسما بعد موسم ويعدون الايجابيات والسلبيات في المدارس ويقترحون الحلول مباشرة ويناقشونها مع الهيئات التعليمية، فكانت العملية التعليمية التربوية تتمحص بين أيدي خيرة المختصين من معلمين ومدراء ومفتشين فتخرج طلاب تفخر بهم مدارسهم ومدنهم وعراقهم.

ولكن اللعنة حلت على التعليم بعد انقلاب شباط 1963 فتعرض المعلم للإهانة والاعتقال والسجن والتعذيب، فاخذ التعليم ينحدر نحو الهاوية حتى حل يوم رحيل الطغمة الصدامية عام 2003 فاذا بنا نرى مستوى التعليم في الحضيض والمدارس بنايات مهملة تعوي فيها بنات آوى والمعلم يعيش العوز والفاقة والشهادات تباع في اسواق الخضار ودكاكين العطارين.

حتى ان منصبا مثل رئيس الوزراء يتهم بانه حاصل على شهادة ثانوية مزورة!!

في مدارسنا قبل الخراب كانت المقولة الاثيرة التي نسمعها حين يسلمون التلميذ للمعلم يقولون له: لك اللحم ولنا العظم!

وتذكر المصادر ان هذه المقولة معمول بها منذ العصر السومري في بلاد الرافدين. لذلك نجد المعلم التراثي (الملا) لديه عصا ويلجأ الى الضرب بالفلقة وهي طريقة في الضرب معروفة لدى العراقيين لأنها مورست بشكل واسع وهمجي في دوائر الامن السري التي كانت لا تبخل على القاصي والداني بفلقتها. وحصل لي الشرف بان أنال قسطا منها عام 1979 يوم خطفوني من مديرية الكهرباء التي كنت موظفا فيها، خطفوني بسيارة امن خاصة ظهرا أمام انظار الموظفين بالتعاون مع بعض عملاء السلطة المعروفين في العمل. وكانت اول حفلة تعذيب خفيف بعدها جاء دور الفلقة التي تورمت قدماي بعدها، لذلك قررت يومها الرحيل وفعلا غادرت البلاد حال ما استطعت النجاة من براثن السلطة الفاشية في تموز 1979.

والشئ بالشئ يذكر كان محافظ الناصرية في السبعينات على ما اذكر، وكان من المقربين لصدام، ولكنه مازال بدويا في تصرفاته فعندما يفتش دوائر المحافظة ويجد مخالفة يعاقب عليها بالفلقة. ولله في خلقه شؤون.

وما دام حديثنا عن المدرسة والمعلم فلنترك الآلام جانبا ونعرج على ما اختاره والدي المعلم عبد الستار كاظم من عقاب!

كان يتجنب اللجوء لمعاقبة الطلاب بالضرب ويحاول ابتكار طرق جديدة تربوية لانضباط الصف وعدم حصول فوضى في الدرس، فيحتفظ بدفتر ملاحظات اسود يضعه فوق الدولاب المخصص للوازم المدرسية ويخبر الطلاب ان من يسئ التصرف يسجل اسمه في الدفتر الاسود وكلما زاد تسجيل الاسم كلما نقصت درجات الطالب في حسن السلوك. فكان الطلاب يخشون تسجيلهم بهذا الدفتر الاسود ويتحاشون الاخلال بالدرس.

ومن الطبيعي ان تكون هناك حالات اخرى خارج معايير التربية الحديثة اذكر منها استخدام أحد المدرسين المسطرة في معاقبة الطلاب. كنا صغارا في الصف الخامس الابتدائي، كانت المدارس ازدادت وكثر عدد الطلاب الذين انتسبوا الى الدراسة بعد ثورة تموز 1958فاستعانت التربية بشيوخ المساجد في تعليم اللغة العربية والدين، وكان هذا المعلم المعمم قاسيا في العقاب، فما كان من الطلاب الا الخروج بتظاهرة تجول ساحة المدرسة طولا وعرضا وهم يهتفون: يسقط ابو عمامة.

ما جعل الادارة تستغني عن خدماته أو ينقل الى مكان أخر.

تحية للمعلمين الاوفياء لمهنتهم بعيدهم وصدق أحمد شوقي حين قال:

قم للمعلم وفــهِ التبجيلا / كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرفَ أو أجـلّ من الذي / يبني و يـُنشئُ أنفسـا وعقولا

 

ملاحظة: الصورة عام 1956عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي في المدرسة الغربية في مدينة الكوت،

 يتوسطنا المعلم عباس الكاظماوي طاب ثراه.

عرض مقالات: