نحن هنا لا ندعو لإحياء الضمائر الميتة، بل فقط لإيقاظ ما تبقى منها من نبض بمحبة وطن بعد هذا السبات الطويل الذي لم يعد خلاله الضمير الحي متاحا لدى نخب الفاسدين والحاقدين على بلدهم، لا لسبب ما، بل لنزوعهم البهيمي في الاستحواذ على ثروات العراق ومقدراته، وسعيهم الحثيث لسرقة لقمة الفقير من فمه بوسائل وصلت من الضعة والدناءة ما جعل الناس بشتى أوضاعهم ومستوياتهم وحالاتهم الاجتماعية تعيش في حالة من الحيرة والتساؤل لما وصلت له مديات إنكار الذات الإنسانية بانتمائها للوطن والبيئة التي تربوا فيها ناكرين كل ما مروا به من أوضاع، ونحن نعلم أن تلك الأوضاع كانت من البؤس والحرمان لنقارنها مع ما آلت اليه أوضاعهم من ثراء فاحش وحصولهم على أموال هائلة من السحت الحرام دون أن يرف لهم جفن بضمائر ميتة وطغى عليها الصدأ، فكيف إذن نطالب هؤلاء بالعودة إلى أحضان الوطن وهم يمرغونه يوما بعد آخر بأقدامهم ويعرضونه لنخاسة من يدفع أكثر ثمنا لتهديم ما تبقى من الوطن وانتزاع كل ما يتعلق به من تاريخ وكرامة وثراء وسطوة، ليحولوه إلى هواء في شبك.
إن شراسة الحقد الذي بات سمة لسلوك السياسيين ومدى كرههم لوطن اسمه العراق بفرض وصاية متخلفة واختلاق نظام أضفوا عليه صفة المحاصصة وهو من الأسلحة الخطيرة لجعل البلاد مكبلة وسهلة الانقياد تحت وصايتهم بذريعة الدفاع عن الدين والمذهب وهم يسيئون وبشكل فاضح للدين والمذهب وكل القيم الوطنية والإنسانية وبوقاحة يخجل منها كل شريف ووطني حريص على رفعة الوطن والدفاع عن فقرائه ومسحوقيه.
لا نعرف من أية طينة هؤلاء الذين جاءوا مع المحتل عقب النظام الفاشي المنهار لحكم العراق، بعد أن فاقت أفعالهم في التخريب والنهب وتشتت المجتمع والفساد المخيف!
تطالعنا كل يوم ملفات للفساد تعد بالأطنان من أموال الفقراء وترك البلاد في فوضاها وخرابها دون أن نلحظ ولو بادرة بسيطة أو التفاتة تنم عن عمق الانتماء للوطن من أي من هؤلاء، ولكن الصدمة الأكبر ذلك التمادي والإيغال في النهب وتشتيت خيرات البلاد بشتى الطرق لجرائم نهب الأموال والسيطرة على مقدرات العراق الخارج من حصار وفقر وحرمان شعبه من أبسط مقومات الحياة البشرية، ليظل الشعب المغلوب على أمره في حيرة ويأس وسؤال كبير ما توقف يوما، أي نوع من المخلوقات هذه التي تمادت وتواصل تماديها في إبقاء البلاد في حالة من التخلف والعوز وانعدام الخدمات ونشر الفساد بصيغ لا يمكن وصفها.
وها نحن اليوم نعيش فضيحة جديدة، أسموها بفضيحة القرن، وهي لم تكن أول أو آخر الفضائح، بل هي مجرد كارثة من سلسلة الكوارث التي تسعى لإبقاء العراق في حالة من التشتت والنهب وإشاعة الفوضى من خلال فرسانها من أعداء العراق الذين رهنوا مصير البلاد بيد الأجنبي الذي لا يريد الخير أبدا للعراقيين.
نحن هنا لا نريد تكرار حجم المشاكل المهول الذي سبق وأن تناولناه في السابق وكتبناه بمرارات اثرت على وضعنا الصحي دون أن نرى بصيص ضوء للخروج من ظلمة الوضع والعتمات التي ما انقشعت يوما، ليواجه العراقيون أزمة الدينار العراقي الذي أدى هبوطه إلى مأساة عمّقت جوع العراقيين وسغبهم، الوقت الذي واصل ساسة العراق من سد مجساتهم، وكأن ما يجري في العراق لا يعنيهم وهم الناهبون لخيرات البلد.
أعيتنا أوضاع العراق الكارثية التي لا نرى أي أمل للخروج منها، فما هو الحل يا ترى والأوضاع تسير بشكل متسارع من شيء إلى أسوء.
نحن بانتظار الفرج