لاشك في ان الحديث اليوم والأكثر تداولا في الشارع العراقي هو ملء سد اليسو وآثاره على نهر دجلة الخير احد الرافدين العظيمين في العراق مهد الحضارة وباعث الانسانية الحقيقية للعالم اجمع. لقد شكلت هذه الحادثة بتأويلاتها وتحليلاتها اليوم نوعاً من الاجتهادات التي خرجت عن الواقع متجهة نحو التصعيد وبث الدعاية السوداء بدلا من الدعاية المعززة للمعنويات او البيضاء... حتى غدا العراقيون في حيرة من امرهم، ما لذي سوف يفعلونه لمواجهة جفاف النهر جراء شحة المياه؟ وهو امر مشروع لكل مواطن بسيط يعتاش على قوت يومه الذي يحصل عليه يومياً ان حصل على عمل معين. ان المتتبع للملف المائي الشائك في العراق والذي ظل منذ سنين طوال يعاني الاهمال وعدم الاكتراث بما سوف يكون عليه المستقبل المنشود على الرغم من قسوة البيئة وما تؤديه من واقع طبيعي على الارض والمياه وغيرها لابد ان يدرك ان هذا الامر بالغ التعقيد بسبب الاهمال من جهة والأزمة المالية الخانقة من جهة اخرى. ومن الامانة الاشارة الى ان هذه الازمة قد بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة، مما دعى السيد وزير الموارد المائية الدكتور حسن الجنابي والذي جاء وزيرا للإصلاح بعد معاناة شهدها العراق ليس في الملف المائي فحسب بل في كل مرافق الحياة العامة ومطالبة الشعب العراقي لتصحيح مسار الحياة بكافة مكوناتها، اذ حدد هذا الوزير المتمتع بالمهنية العالية والدقة في اتخاذ القرار والمكاشفات التي ادارها في مختلف مفاصل الملف المائي العراقي، لاسيما ملف الاهوار وادرجها على لائحة التراث العالمي وصولاً الى ملف شحة مياه الرافدين دجلة والفرات والتي حذر منها منذ فترة طويلة داعيا الحكومة العراقية الى اتخاذ الاجراءات العاجلة من اجل الحيلولة دون وقوع الازمة، وبدء مرحلة من الحوار السياسي مع الجارتين تركيا وايران من اجل ديمومة الحياة المائية العراقية وما يترتب عليها من عواقب وسلبيات تؤثر بالتالي على الحياة الطبيعية والبيئة من جهة والحياة الاجتماعية والاقتصادية من جهة اخرى. لقد حدد الجنابي في اولويات عمله طيلة الفترة السابقة خططا وطرائق تنقذ هذا الملف المهم في السياسة العراقية الخارجية لاسيما انه رجل خبر الدبلوماسية الخارجية واليات الحوار والتفاوض، متسماً بالحضارية مع الجانب الانساني المتسامي في شخصيته المرحبة بالحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر، وهذا لا يتنافى مع مصالح البلاد اليوم التي تخضع الى الانتهاك الكبير وسط زحام فوضوي هائل اختلط فيه الاخضر مع اليابس. ان ادراك الخطر الحقيقي اليوم لشحة المياه يدعو الجميع الى تحمل المسؤولية في الحفاظ عليها من الهدر والتلوث، وقد كانت لجهود الوزير الجنابي دورها الكبير في تنظيف مياه نهر العشار و تنظيف هذا النهر التاريخي الكبير وأحد اهم شرايين محافظة البصرة الغالية، مروراً الى اعادة اعمار وتنظيم مشروع القرنة ومكان شجرة آدم التاريخية التي اشرف عليها الجنابي شخصياً، لن اكون منحازاً ابداً في ماذكرته اعلاه، اكثر مما اردت ان اشير الى أن حكم البيئة وتحولاتها هو الحكم الاكبر على الواقع المائي للعراق، فضلاً عن الواقع السياسي المضطرب التي تواجهه المنطقة اليوم، وعلى المثقف العراقي ان يكون حاضراً في تحديد الازمة ومحاولة الاشتراك الفاعل لحلها بالتكاتف مع جهود وزارة الموارد المائية وسعيها الحثيث من اجل القضاء عليها، وبالتالي انحسار الشحة الطارئة بالطرح الموضوعي والنشر العلمي لا بالهجوم غير المبرر والمنطقي الخارج عن الموضوعية الحقيقية لتدارك الازمة والخروج الى بر الامان.

عرض مقالات: