اعتدنا ان نسمع عسل الكلام ونرى نسخاً لخطى استعراضية، من قبل حكومات جاءت متعاقبة مكررة، وذهبت مجلجلة بالفشل الذريع.. وخلال عقدين مضت كانت جميعها تبدأ مدشنة بواكير حكمها بمغازلة هموم الناس.. وكأنها تريد القول: اصبروا ايها القوم صبر فلاح، لانها بحاجة الى حرث الارض وانتظار المطر لكي تنثر البذار عسا ان تحصد الخير المبارك لاجل ان يصلكم " الرخاء  الموعود ".. وما ان يجاز لها ان تمتطي سرج حصان الحكم الجامح. لم تلبث ان تشرع في سياسة الباب المواربة. اي غير المغلقة للاخر. انما تمن على الشعب بفتحة جزئية لكي لا يقال عنها انها مغلقة على نفسها.

من البديهي بان الظمآن لا بد ان يظن في السراب ماءً، على الاغلب الاعم. وفي مناخ كهذا، وهو السائد الان ، تقتنص الحكومة فرصتها لكي تلقي باعباء حملها من الوعود المخادعة، على ذمة الذرائع المصطنعة، متوهمة بان الشعب يمكن تضليله. او انه سوف يبقى يتأمل بسرابها ارواءً لعطشه .. وقد جات حكومة السوداني كخير خلف لأسوأ سلف، من الحكومات الفاشلة السابقة. حيث قدمت برنامجها الحكومي وكان يهتف بمطالب الشعب وفي مقدمتها الانتخابات المبكرة.. ولكن سرعان ما ظهرت بوادرالتملص منه. حيث اتضح ذلك بقول السيد السوداني: " { بان الانتخابات المبكرة مرهونة بتوفر مستلزماتها } متناسياً انه سبق ان وضع لها سقفاً زمنياً.. والذي حدده بسنة واحدة. وبثلاثة شهور لاعداد قانون جديد للانتخابات.

كما اختار له ملاذاً ايضاً للتهرب عن تعهده بايجاد فرص عمل ومعالجة البطالة بقوله {قضية البطالة هي من شأن مجلس الخدمة الاتحادي}، وهو لا يجهل بأن المجلس لا شأن له بتوفير فرص العمل التي من واجب الحكومة حصرياً، وانما جل اختصاصاته تنحصر بسياقات اجراء التوظيف فقط.. ولم يتوقف منهج الحكومة المتسم بالالتباس الذي لا تخرج كل مادة منه عن جوهرها كحمالة اوجه. ان ميدان الاختبار مكتظ بالعوارض التي بمثابة "عبرة الشط " التي لا يتمكن من يريد خوض عبورها وفيه " ناقصة " خشية من الفضيحة. علماً ان جملة من هذه العارضات قد جاء البرنامج الحكومي متخوماً بها.

على سبيل المثال وليس الحصر. وبصدد مكافحة الفساد.. راح السيد رئيس الوزراء يهوّن من جريمة " سرقة القرن" بقوله: { انه لا يعلم بحجم السرقة وبحاجة الى شركة تدقيق مالي } . واتفق فعلاً مع شركة اجنبية لمعرفة الحقيقة، وشكل لجنة عليا لمكافحة الفساد، الى هنا لا اعتراض عليه، ولكن بمعنى من المعاني هي { طمأنة لا تبتعد عن طمطمة } الى حد بعيد. الامر الذي يكشف نوايا من يتعكز على عدم معرفة حجم " سرقة القرن " بانه يحاول سلفاً، شاء أم أبى، التعتيم عليها للأسف الشديد. هكذا سيحسب وان كان شخص السيد السوداني بعيداً عن ذلك طبعاً، كما ان هذا المعنى لا يقتصر على هذه الجائحة الاخيرة فحسب.. انما محاولة التغاضي عن ما تمت سرقتها من أموال عامة منذ عام 2003 لحد الان، بالرغم من اتضاحها السافر، والذي يعرفه القاصي والداني. و السيد السوداني اولهم بعتباره ابن هذا النظام ويعرف جل" درابينه "..

هذه وغيرها من المأخذ على حكومة السيد "محمد شياع السوداني " وبخاصة تشكيل كابينتها الوزارية غير السديدة، حيث جعلتها في خانة التشكك وعلى وجه التعين حول بعض الوزراء، وقد لمس ذلك على الصعيد الدولي. الى جانب عدم القبول الداخلي في الاعم. الامر الذي حفز الناس وبخاصة المغتصبة حقوقها للتدقيق في الصغيرة وفي الكبيرة. واخضاعها تحت طائلة التتبع الدقيق. فضلاً عن التوجس من مستقبلها سيما وان الموازنة القادمة تتسم بالدسامة البالغة غير المسبوقة بفضل الوفرة المالية، زد على ذلك خلو الساحتين  الحكومية والبرلمانية من المعارضة الجديرة التي بامكانها فرملة النهب في اقل تقدير. 

عرض مقالات: