قد تكون الاعتصامات والتظاهرات التي يشهدها العراق اليوم تبدو للكثير من المتتبعين للوضع السياسي العراقي وكأنها امتداد لانتفاضة تشرين عام 2019، وتحمل عناوين وشعارات وآمال التشرينيين، ولكن إذا أردنا الدقة والتحليل الموضوعي بين الحدثين سنجد أن هناك فروقا كثيرة بينهما سيما وأن ثوار تشرين والقوى المدنية المشاركة فيها ثاروا في ظل القمع المبرمج، وقتل المئات والاعتقالات والتغييب للكثير من الناشطين من قبل سلطة عادل عبد المهدي وميليشيات الكتل المتنفذة، إضافة للشعارات والعناوين البارزة التي رفعها التشرينيون مثل (نريد وطن)، والتغيير، ونزع سلاح الميليشيات، ومحاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين، واطلاق سرح المعتقلين، حيث اضطرت تلك الحكومة وتحت إصرار وجبروت الانتفاضة ورغم جراحاتها وآلام الغدر بها، على تقديم السيد عادل عبد المهدي استقالة حكومته والاعلان عن انتخابات مبكرة. ومع بقاء البرلمان ورموزه، فقد تم الالتفاف على المطالب والشعارات التي أطلقها المنتفضون، وحدث كل ذلك عبر (تفاهمات وحوارات) بين الكتل المتنفذة، حيث هيأت الأرضية لتدوير كتلها الفاسدة عبر شراء الذمم وإقرار قانون انتخابي مفصل على مقاساتها، ووضع قانون الأحزاب على الرف، وعدم المساس بالفاسدين والقتلة، مما فوتت الفرصة على المنتفضين من تحقيق الشعار الأساسي هو التغيير الشامل ونريد وطن ومحاسبة قتلة المتظاهرين ورؤوس الفساد.

فأحداث اليوم ليست كأحداث الأمس، لا بشعاراتها ولا بكيفية التعامل معها من قبل السلطات الأمنية لأسباب معروفة.. ولكن زخم هذه الاعتصامات والتظاهرات والمزاج الشعبي العام المتعاطف معها والجماهير الواسعة الراغبة بالتغيير والتي لا يوجد لديها ما تخسره إن تعرضوا للقمع ثانية، ضغط على، وأقلق القوى المتنفذة والسلطات الأمنية بحيث أصبحت عاجزة عن مواجهة غضب الجماهير الثائرة أو الوقوف علانية ضدها. واليوم أيضا تحاول قوى الثورة المضادة الفاسدة الالتفاف على مطالب وشعارات الثوار عبر التعكز على (الدستور) (والشرعية) اللذين تم خرقهما مرارا وتكرارا من قبل تلك القوى، وطرحت لغم (الحوار) كأساس لحل المشاكل العالقة بين المعسكرين، والذي يراد منه إبقاء نهج المحاصصة الطائفية والعرقية، ولاّد الأزمات وراعي الفساد، ووأد هذه الهبة الجماهيرية كما فعلوا مع انتفاضة تشرين، من أجل الحفاظ على النهج الفاسد القديم، والجريمة والتبعية، كما لم يتضمن في برنامج حوارهم هذا طرح حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستعصية، لأنهم أصلا جزء من المشكلة.

أين تقف جماهير انتفاضة تشرين والقوى المدنية الديمقراطية من أحداث اليوم، وما هي مطالبها؟ لقد أوضحت قوى التغيير الديمقراطية موقفها ومنذ أعوام خلت، وأكدته عبر بيانها الختامي بعد انتهاء وقفتها في ساحة الفردوس مساء يوم ‏12‏/08‏/2022، من أنها تعتمد على نبض الشارع الشعبي العراقي وإرادته السلمية لتحقيق التغيير الشامل المنشود والذي يرتكز على ثلاثة أسس، أولها التخلص من نهج المحاصصة الطائفية والعرقية، واعتماد مبدأ المواطنة المتساوية الذي يحفظ الحقوق والحريات، ويحقق العدالة  الاجتماعية، وثانيا حل مجلس النواب العاجز وإجراء انتخابات مبكرة بعد إقرار قانون انتخابي عادل، وتطبيق قانون الأحزاب، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة فعلا، وثالثا، تقديم قتلة المتظاهرين ورؤوس الفساد إلى قضاء عادل، وحصر السلاح بيد الدولة.

وستثبت الأيام المقبلة مدى وطنية وإصرار قوى الإصلاح والتغيير على المضي قدما في سبيل تحقيق الأهداف التي قدم الشهداء الأبرار حياتهم الغالية من أجلها، سيما وأن العودة إلى الحكم بالنهج القديم ستكون محفوفة بالكثير من المخاطر الجدية والتي لا يمكن التنبؤ بها وبنتائجها.

عرض مقالات: