افكر بمقولة الكاتب الفرنسي جيلبير سيسبرون ((هناك أوقات، وأعتقد أن هذا الوقت واحد منها، حيث لا يكفي قول الحقيقة، بل يجب الصراخ بها)). وحقيقتنا في العراق واحدة هي المحاصصة، عدونا الأوحد  الذي ينهب جيوبنا ويأكل زادنا ويفسد اخلاقنا ويعتقلنا ويقطّع لحمنا بعبواته واحزمته الناسفة، انها الحقيقة التي لم تعد مقنّعة والتي يُراد منها زعزعة الاسس السليمة التي يقف عليها المجتمع وتشكيل منظومة اخلاقية جديدة تعيدنا عقودا الى الوراء.

المحاصصة اخطر معاول الهدم على الاطلاق، معول من صناعة الشيوخ الكبار آلهة (الاولمب النقدي) وتجار العقارات و(حارس الدولار الشرس) الذين وصفهم جيفارا في ((يوميات دراجة نارية)) بالأخطبوط مالكي المستعمرات، فلا يظننّ احد بأنها من ابتكار عقول محلية ليس لها ايّ رصيد من الخيال والموهبة، هؤلاء الصغار مجرد اصحاب المنزل الذين قرروا ان يتركوه من دون حرّاس ولا تحصينات، بل وقرروا ايضا قطع الأصبع التي تشير الى اللصوص الذين دخلوه.

المطرقة الضخمة التي هوت على رؤوسنا منذ عام 2003 والى الان، انتجت فيلما مرعبا لم يسبق للسينما ان انتجت مثله، هذا الفلم الذي يدعو الى التعايش مع الموت واليأس، كان من اخراج ذلك الشخص الذي جاء على متن طائرة سلاح الجو ((سي - 130)) وكان يبتسم وهو يرى الدخان الاسود يتصاعد في سماء بغداد، امّا الممثلون المتواطئون، فلم تنفع معهم التحذيرات وكان شعارهم الفشل تلو الفشل وكانت اذانهم صماء لا تسمع نداءات ((حي على الفلاح))!.

ابتلعت آفة الغش الكثير من الناس والقيم، وجعلت فئات واسعة تسكن على اطراف الحياة فاقدين قدرتهم على الحلم ومنهمكين بمطاردة لقمة العيش الى درجة انّ بعضهم لا يعثر على رغيف الخبز الاّ مغمسا بالذل وكأننا نعيش في الطور الاول لظهور الانسان!. اخذت المحاصصة منهم كلّ شيء، حتى فسحة تأملهم لحياتهم التي اصبحت شروطها لا تختلف عن ظروف عيش البهائم، هذه هي مهمة الطغاة واسيادهم التي عبر عنها ماركس بقوله الشهير (( الطاغية مهمته ان يجعلك فقيرا، وشيخ الطاغية مهمته ان يجعل وعيك غائبا)).

لكن، الا يعلم السلطويون بأنّ السياسة تتحرك مثل الرمال تماما، وانّ اختيارهم للاستثناء على حساب القاعدة مثل اختيارهم للتيمّم رغم وفرة الماء!؟. الا يدركون بأنّ وعي العراقيين استيقظ من حالة الاغماء، وانّ حملات غسل الادمغة ما عاد لها مكان!؟. ان حفنة من البائسين استهتروا بأرواح المواطنين واستحوذوا على قرار البلاد واستقرارها، لن يدوم طويلا، وسوف يأتي يوم الغضب الحار وتسقط الفاكهة الفاسدة التي نخرها الدود، هكذا علمتنا تجارب الشعوب، وما علينا الاّ ان نصرخ بالحقيقة بملئ حناجرنا: انّ المحاصصة قتلتنا.

عرض مقالات: