كنا وكان معنا كل من يقرأ اللوحة السياسية العراقية باهتمام، نستشرف بان العد التنازلي لانهيار نظام التوافق والمحاصصة قد بدأ. غير ان اليوم بعد ان جلس الناخبون على كراسي النواب المنتخبين.. هنا توجب اعادة القرأة جيداً مع ان اللوحة ليست سريالية الابعاد انما واقعية وواضحة لا تحتاج كثير من العناء لفهمها، فكانت محمولة ضمائر الثوار.

مما لا شك فيه ان الانتفاضة الحالية لها نسب تشريني. اضافة الى ذلك قد تزودت بعنفوان ثوري انطلاقاً من مظاهرات الحراك اليومية التي لم تنقطع، و تتوجت بالمظاهرة المليونية على اثر { صلاة الجمعة الموحدة }.. ويقيناً اكتملت لحمتها بسداها واظهرت نسيجاً وطنياً مرصوصاً لا مجال فيه للفصل بين الثوار بمختلف الوانهم، متدينين اومدنيين علمانيين.. نقولها مجازاً لان الثوار من خامة واحدة، مشبعة بانفاس الاحرار الذين يرفضون الظلم عبر التاريخ المعاصر ابتداءاً من ثورة العبيد بقيادة الثائر سبارتيكوس، ومروراً بكومنة باريس اليسارية الى ثورة البلاشفة بقيادة " لينين " ضد ظلم روسيا القيصرية ، فضلاً عن سلسلة من انتفاضات وثورات الشعوب الاخرى التي كانت ترفض التسلط والاستبداد.

ماذا بعد؟ هل تتوقف {الفرصة الذهبية} حسب تعبير السيد {مقتدى الصدر} عند بناية البرلمان ؟، وتتحول الى عبارة عن نقطة نظام ؟، ام حسب منطق الثوار الذي يؤكد على وجوب تزايد زخمها، في كل يوم، بل في كل ساعة، حتى تصل الى عتبة انجاز اهداف التغيير المنشودة. ان التغيير لن ياتي بالاماني او بالشعارات وليس بالمناشدات والنداءات بل سينبعث الزخم الثوري الكامن كلما تم تحقيق اقدام ثوري ملموس، وتعاظم الثبات على ارض الواقع. بمعنى ان يصار الى قيام انتفاضات متزامنة في حواضر المدن يشمل عموم العراق ..

ما هو المفروض ان يحصل دون السماح لتخطيه؟ هل هي التسوية التي تقنع الظالم وتخدع المظلوم ؟، ام الهدف اقناع هذا المظلوم الصارخ الذي لن يتبقى لديه ما يخسره سوى حياته التي غدت اكثر من منتهية. و لا يبعث بها الحياة غير التغيير المنتج والضامن لمقومات العيش الكريم، بعيداً عن التسلط والدكتاتورية والفساد القائمة على الفرز الطبقي بين اغنياء لصوص يتحكمون بمصير البلاد والعباد، وبين فقراء مستغلين حتى النخاع، كما هو الحال القائم. نحن هنا لا ننظر عن بعد لانتفاضة المحرومين، انما نحن مرتبطون عضوياً مع الثوار قلباً وقالباً.

لقد طُرحت افكاراً وحلولاً ناضجة من قبل قوى وطنية جديرة في معالجة الازمات السياسة، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي عميد الاحزاب السياسية العراقية، بخبرة ثمانية وثمانين عاماً. كانت تصوّب التوهان برؤيتها الحكيمة والمتمثلة بازاحة النهج الفاشل وازلامه، وذلك عبر حل البرلمان الذي فقد شرعية منذ انسحاب الفائز الاول {73} نائباً من التيار الصدري، ومن ثم اقامة انتخابات مبكرة على قواعد وقوانين جديدة عادلة في ظل حكومة مؤقتة.

ان الدعوات للحوار بهدف وجود حل. غير ان هذه الدعوات تبدو بنمطها الحالي خاوية لحد الان، لكونها لم تنطو على مبادرة وافكار حسن النوايا تنشئ الامل وترطب النفوس كأن يبادر الخاسر المطلوب للنزول عن بغلته، ويوافق على الحلول التي ترفعها الجماهير الثائرة، التي باتت منفردة وليست لها بديل صائب ومنطقي اخر..  ودونها يعني بقاء بركان الازمة ملتهباً يبعث بحممه التي ستحرق الجميع ولم يبقى مستتباً. كما انه لن يخمد ابداً مهما طال التسويف والمطاولات الخبيثة.

عرض مقالات: