ان كل ما يطفح على سطح الاحداث في عراق اليوم، يشير بكل وضوح إلى ان الامر قد دخل في حالة ” الغصة الحادة " التي لا يمكن تجاهلها ولا هي سهلة الهضم. ان " الطشاش " الذي حصل لقوى التغيير على إثر طلقة الرحمة التي وجهت نحو قلب مبدأ التداول السلمي للسلطة، لا يبشر بالاستقرار وبقرب تشكيل الحكومة بيسر. لا بعد العيد ولا ما بعد العيد.. و لعلنا نحسب ما يحصل شاهداً ودليلاً على ما هو متوقع. فهل كانت العجالة الملفتة للنظر في تحشيد وتقاسم البدلاء عن الكتلة الصدرية المنسحبة. وليدة ساعتها كرد فعل ام ضمن مفاعيل مبيتة؟
واذا كان ذلك يدل على شيء فهو مؤشر على الهلع الذي أصاب القوى المتشبثة بالسلطة من احتمال غرق السفينة بعد ان قفزت عنها الكتلة الصدرية إلى رصيف الانتظار والترقب المنبعث من {جهوزية} تامة، بمعنى ان آفاق الصراع ملبدة بزوابع سياسية لاهبة، ستكون خلاصة مخاضها اعلان وفاة العملية السياسية او بالاحرى مواراتها التراب، وسياتي ذلك على لسان القابضين عليها. ولا نتوهم اذا ما شخصنا بأن اول علاماتها قد برزت مستفزة للغاية تمثلت بتكليف رئيس للوزراء، بترشيح شخصية جدلية، غير مقبولة من قبل معارضة الشارع وهو السيد " نوري المالكي " .
ومع ان هذا الترشيح غير رسمي، ولكن حُسب محتملاً استناداً على ما ذكر عن تقديم" الاطار التنسيقي " تنازلات لأبرز معارضي " المالكي " كالقبول بشروط الحزب الديمقراطي الكردستاني. وشروط تحالف السيادة، زد على ذلك دخول ايران على الخط الذي تجسد بالاجتماع الذي ضم الجنرال قاآني والسيد بافل الطالباني. الذي ارجح تفسير له هو الطلب من السيد بافل الطلباني سحب ترشيح السيد " برهم صالح " كما اعقب الاجتماع تصريح من الاتحاد الوطني الكردستاني مفاده " ان هنالك مفاجأة ستنطلق بعد العيد ".
وثمة وجه آخر للحراك السياسي لا تتخطاه الرؤية، اذ انه منصب على جمع العدد اللازم من النواب بغية تمرير انتخاب الرئيس وتشكيل الوزارة، غير أن ما هو ملموس، غياب حقيقة هامة عن المتحركين في هذا المضمار. ان جمع الارقام في السياسة يختلف كلياً عنه في الحسابات التجارية. فاذا ما وضع صفر أمام رقم واحد سيصبح عشرة. هذه البديهية في الحسابات العادية، بيد ان في السياسة اذا ما جمع عنوان سياسي صفري الرصيد النضالي والوجود، مع اية جهة سياسية لها حضور سياسي، سيكون عامل ضعف اذا لم يكن وبالاً عليها.
و مقصدنا هنا ذلك اللهاث غير المحسوب العواقب الذي اشبه بسباق ضاحية وراء تحقيق حلم الجلوس على كرسي الحكم، مهما كانت تداعياته، معتمداً على جمع " الاصفار السياسية " دون وجود نهج مختلف هدفه التغيير في مسيرة الفشل والفساد، لا شك سيكون في حالة منسلخة عن اي نسب سياسي نوعي معني بتشكيل حكومة خدمية اصلاحية تحقق طموحات الشارع الثائر، وانما يصبح كالذي يحاول القبض على عمود دخان.
لسنا هنا بصدد التقليل من دور القوى الناشئة الواعدة، بقدر ما نلفت الانتباه إلى الهدف الاساس وهو بناء الدولة الديمقراطية، ومكافحة الفساد الذي يتطلب وجود القوى الديمقراطية الفاعلة المدركة ذات الوعي والحنكة السياسية والامتداد الجماهيري والثبات المبدئي، دون ذلك ستكون اوضاع البلد في دحرجة متسارعة إلى ما لا تعرف ابعاده.
ان لملمة الشتات ليست حالة مذمومة اذا ما كانت على منهج سياسي تغييري بناء ورصين على قاعدة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وعليه فان اشراك اطراف عديدة في الحكومة كل منها لا يوجد نصب عينيه غير حصته فلن تبقى فرصة لبناء الدولة والتلامس مع متطلبات حياة الجماهير المنهكة طيلة عشرين عاماً عجافاً ماضية. انما المضي باعادة انتاج النظام الفاشل وتكرار خطيئة توزيع موارد البلد إلى مغانم للكل من الفاسدين حسب حجمه الانتخابي.
من حتميات هذا النمط سيتجسد استحواذ الاقلية المتحاصصة باقبح صوره، وان منطقه يؤكد استفراد المتنفذين على مفاصل الدولة بصورة اكثر بشاعة واقسى ظلما من سابقه، وبخاصة بعد ان اختل توازن المقاعد الشرعية في البرلمان، التي كانت ليست بقادرة على مواجهة الكتل المتشبثة بالحكم، لاسيما بعد ان سحب التيار الصدري نوابه. التي سرعان ما تحول صيداً ثميناً حينما اضيفت رافعة رصيد كفة الكتل المتنفذة، التي ما زال لهاثها متواصلاً وتحديداً قوى الاطار التي غمرتها الفرحة إلى حد الزهو، لهذه الفرصة الذهبية التي لم يكون أحد منهم يحلم بها. وكانت نشوة هذا " الفوز الملغوم " حقاً قد أنساهم بان القبض على كرة البرد لا يتعادل مع القبض على كرة الجمر. حيث ان هنالك شارعاً مأزوماً ونافذ الصبر، قاب قوسين او أدنى من الانفجار.