جرت الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الماضي من هذا العام اي بعد مضي سنتين على انتفاضة تشرين الباسلة. ومع هذا فهي تعتبر واحدة من ابرز مطاليب ثوار الانتفاضة. كما انها ليست سوى وسيلة ديمقراطية للخلاص من النهج السياسي الفاشل. واقامة حكم المواطنة، والعدالة الاجتماعية ،والدولة المدنية. غير انها لم تنج من سهام وطعون الخاسرين، الذين لفظتهم الجماهير الواعية سواء كان عبر المقاطعة او التصويت للمستقلين وللقوى غير الفاسدة. وبفعل ذلك تم التعويل على اصحاب العزم التغييري بضمنهم النواب الذين فازوا كمستقلين.
ولكن عندما ازفت ساعة الفعل لتشكيل الحكومة، كان الظن الايجابي بالمستقلين هو السائد، وكان يتوخى من موقفهم ان يكون من العوامل المساندة لعملية التغيير. حينذاك لم يأت على بال احد، ذلك الفهم الذي يقول " إن بعض الظن إثم "، وقد حصل غير المتوقع في نهاية المطاف حيث جسد موقفهم السعي المناهض للتغيير للاسف الشديد. اذ تفاجأ الجميع بسلوك النواب المستقلين الذين انزوا تحت ذريعة الحياد، بل وانحازوا الى الاوساط المعطلة للاجراءات الدستورية. حينما امتنعوا عن الدخول الى قبة البرلمان لاكتمال النصاب القانوني. بمعنى عدم التصويت لرئيس الجمهورية، وعبر ذلك عن اعلان جلي بالانحياز. في حين لايعني بأي صورة من الصور الدخول الى القاعة واستكمال النصاب انحيازاً لطرف معين. انما أداء برلماني موجب. وعليه جاءت " لعنة النصاب " لتطيح بصفة الاستقلالية للنواب الممتنعين عن التصويت .
ان تصرف النواب المدعين بالاستقلالية بصورة موحدة، ينم عن برمجة مسبقة. ولا وصف مناسب له سوى كونه جائحة سياسية حقاً، قد صدرت اليهم، وينبغي الا تمر دون التمعن في خلفياتها واصول دوافعها،لكونها قد تمخضت في خضم وضع سياسي صاخب وملتبس، تحركت في ظلاله قوى متمسكة بالمال السحت والنفوذ ونهج المحاصصة المدمر، ومدعومة خارجياً. وتمتلك وسائل لعينة كأداة للبقاء على الفساد والهيمنة متمثلة بـ " العصا والجزرة " واصطع تجليات هذه السياسة قد بانت في مغازلة النواب المستقلين باعطائهم فرصة وهمية مخادعة لتشكيل الحكومة وبعد ذلك خذلوهم.
وهنا قد تدحرج النواب المستقلون، مجردين حتى من عباءاتهم الاستقلالية، طائحين في هاوية اللا موقف.. بل وأمسوا لا أحد يلتفت الى ناحيتهم. غير ان الجماهير تتساءل عن دور قوى التغيير من هؤلاء النواب المستقلين ؟. حيث لم يلمس التصرف المسؤول تجاههم، انما كان يراد منهم ان يكونوا بمثابة " عمال سخرة " وقت الحاجة، مع احترامنا للعمال منتجي الخيرات المادية ،. اليس ذلك يمكن ان يفسر دفعاً لهم للذهاب الى الجهة الاخرى بصورة غير مباشرة ؟!! . دون ان تحسب خطورة تداعيات ذلك.
ومما ترتب على ذلك لا يمكن ان يبتعد عاقل عن ان يحسب انسحاب التيار الصدري وتفكك تحالف {انقاذ وطن } و الهرولة التي حصلت على اثره لاحتلال مقاعد الصدريين في البرلمان، بانه كان من من ضمن البرمجة المسبقة التي تجلت بموقف النواب المستقلين الذين احتلوا مكان الصدارة في جملة العوامل التي ادت ليس الى انسداد كان مقدوراً على تفكيكه في مرحلته الاولى، وانما الى انسداد مفقودة مفاتيحه، و يصعب رؤية اي افق له .. هذه" اللعنة " اذا ما جازت هذه الكلمة، التي يقال عنها تأتي عادة بعواقب لا ينفع معها الندم ولا الترقيع ولا حتى التعشم باحلام العصافير.