استبشر شعبنا العراقي وهو في غمرة انحطاط العملية السياسية. حينما رست القوى الوطنية الحيّة على رصيف { انقاذ الوطن } بتحالف ثلاثي ضم اقوى الاحزاب التي نالت ثقة الجماهير الطامحة الى الحرية والعدالة الاجتماعية وانهاء نهج المحاصصة والفساد. وعلى اثر ذلك ساد الترقّب القلق معززاً بشعورمزدوج بين الامل لتفكيك الازمة وازاحة الكتل الفاسدة الفاشلة. وبين هاجس ضعف ايقاع أداء المتصدرين لعملية التغيير " التحالف الثلاثي " الذين بدا عليهم للاسف انعدام همة الاقدام، وتفعيل خطاهم نحو اتمام مهمة الانقاذ و التغييرالشامل، بالرغم من امتلاكهم زمام المبادرة مدعومة بالاسسات الدستورية وتزايد التأيد من قبل اوسع الجماهير.

دون شك ان طريق التغيير كانت ليست معبدة ويتخللها قطّاع طرق، مسلحون كامنون  منذ ما يزيد على ثمانية عشر عاماً، وقد نصبوا في كل منعطف كمين معطل. فضلاً عن ان الوسائل الناعمة والمترددة من قبل المتصدين للتغيير، لم تكن متناسبة مع حث الخطى نحو الغاية المقصودة.زد على ذلك تحولها الى فاعلة في تعضيد المنهج الفاشل.. ان هذا ليس غريباً في واقع البلد المريرللغاية. اذ ان منطق الاشياء يعلن حاله هنا. فبفعل اختلال التوازن  يضعف الطرف غير الفاعل بما هو مطلوب منه، وحينئذ يسهم بتقوية الطرف الاخر. والحصيلة لن تبتعد عن الفشل او الهزيمة، وهذا ما صفى الدهر به.

دعونا نعود الى اللوحة العراقية وتداعياتها الاخيرة " انسحاب التيار الصدري " كان متوقعاً حيث ان " التيار " بدا غير متحمس لاستلام السلطة مع ان الصراع  يدور حولها !!. الا انه مضى رافضاً باصرار لبقاء نهج التوافق، ومن جانبهم ظل الاطاريون متمسكين الى حد الاستماتة ، في الحفاظ على كنز السلطة للحماية حيث تدفعهم الخشية من ان يطالهم فتح ملفات الفساد والجريمة المنظمة، وكذلك لمزيد من الغنى والنهب والهيمنة المسلحة، لاسيما وان تعاظم واردات النفط.التي خلفت فائضاً مالياً يسيل له لعاب الفاسدين.. فهل هذه هي الحقيقة بقضها وقضيضها ام لعلها تعكس فقط نصف الحقيقة المكشوف وان نصفها الاخر ظل مستوراً..؟؟ وهنا يحضرنا المثل الفلاحي الذي يقول يعرض عليك حنطة ويبيع لك شعيراً.

نزعم بان الوضع القائم صار يجبر المرء على اللجوء الى اعتماد نظرية الاحتمالات المتعددة،  رغم غبار التمويه الكثيف، لان انسحاب " التيار" قدم الجمل بما حمل الى " الاطار "  خصمه اللدود .. فهل يحسب هزيمة في احتمال ؟ وفي احتمال اخر التنازل عن طيب خاطر لشقيق مذهب ؟. كما ياتي احتمال ثالث مفاده ان حصول الانسحاب قد جاء على اثر وصول" التيار " الى حصيلة حسابات نتائجها تفضي الى قيام الدولة المدنية الديمقراطية، وانتصار" ثوار تشرين " الذي سينهي الاسلام السياسي قطعاً و " التيار " لا يرغب ان يتحمل مثل هذه المسؤولية. ام كرم هو ما بعده كرم حتى على حساب الحلفاء في تحالف " انقاذ وطن " ام نتيجة لتهديد خارجي وداخلي خطير..؟. وربما يحسب الانسحاب تحضيراً لانتفاضة الشارع الماحقة.

كل هذه الاحتمالات لا زالت في دائرة العتمة التي تلف الواقع السياسي، لان نهاية اجازة البرلمان العراقي يرجح ان تكون بداية لخط الشروع في مسيرة التغيير، ووضع حجر الاساس لها بانجاز الاستحقاقات الدستورية وهذا احتمال وارد ايضاً، بالرغم من غرابة العجالة التي اتسمت بها الاجراءات البرلمانية في الترتيب لتحضير البدائل لنواب التيار الصدري، ويبدو ذلك قد اضحى مهمة ملحة للسيد رئيس البرلمان الذي كان بالامس حليفاً للتيار..

الامر الذي يدفع بقوة ان تذهب عجلة التحول تسير بعزم ثوري صاخب متجذر نحو تغيير شامل. بمعنى ثورة عاصفة تقلع جذور الفساد والانسداد، وهذا احتمال اكثر من وارد ايضاً. ونكرر القول ان كل ما ورد من احتمالات نابعة من هواجس شعب قد تلظى بنار الدكتاتوريات العسكرية والدينية على حد سواء، وما عاد يتحمل العسف والتجويع وضياع السيادة الوطنية التي  تمثل فقدان الكرامة والشرف الوطني. ولا يوجد بعد ذلك شيء، وعليه يقتضي الموت على اعتابه.. فما العمل يا ترى بعد خيبة الامل؟؟                                  

عرض مقالات: