منذ ان تأسس الدستور العراقي الحالي ظل عليلاً. وبدلاً من ان تتعزز الثقة به عبر التطبيق المنصف لمواده التي صنعت أصلاً مفعمة بالإشكالات لكون منطلقاتها جاءت من لدن مشرّعين تتولاهم النزعات العرقية والاثنية. الامر الذي أوصل مواد الدستور، الى ان تصبح اسيرة الارادات الفأوية المتسترة خلف ما سمي بـ { حق المكونات } الذي من شأنه تقزيم حق المواطنة الاعظم.
دعونا نمر على جلسة البرلمان التي عقدت يوم السبت 26 \ 3 اذار الجاري. حيث تم الاستناد على رأي" المحكمة الاتحادية " التي رهنت شرعية الجلسة بحصول نصاب يتكون من 220 نائباً. وكان من المتوقع الا يتحقق النصاب على هذه القاعدة، حتى اذا جاءت النتيجة ناقصة رقم " 1 " فقط ، حيث كان المال السياسي المفسد قد استعد لها. عكس التحالف الثلاثي الذي ظل حالماً، كما يبدو،.. فلعب دوره المعطل للنصاب المطلوب بغية عدم اجازة انتخاب رئيس الجمهورية، وكانت النتيجة افشال الجلسة. وهنا لابد من الايضاح حول ما يخص رئيس الجمهورية. فهو لا يمتلك من الصلاحيات سوى الامور البروتكولية، والتمثيل الرمزي للدولة، ولكن مع هذا وضعت اكثر من عقبة، من شأنها ان تصعب انتخابه.
علماً ان هذه الأمور التي تخص رئيس الجمهورية بعيدة كل البعد عن المساس بالحياة العامة ومعيشة الناس، في حين تتركز كافة الصلاحيات التنفيذية التي تخص حياة المجتمع العراقي وسياسة البلد لدى رئيس الوزراء. وعند انتخابه نجد سياقات ذلك محددة بنصاب لايتجاوز نصف عدد نواب البرلمان زائد واحد. اي 165 نائباً حاضراً داخل القاعة. او حتى الاكتفاء في بعض الحالات بمن حضر!!. هكذا يحددها المشرّع العراقي بشروط مخففة جداً اذا ما قورنت بالشروط التي تجيز انتخاب رئيس الجمهورية. الذي لا يمتلك غير الصلاحيات الشكلية الرمزية.
هذه صفحة من التطبيقات التي تتم جزافاً لمواد الدستور. ولكن لابد من معرفة اسباب لجوء المشرّع العراقي اوغيره ممن اشترك في عملية اعداد الدستور عام 2005 ..حيث اسست " العملية السياسية " على اساس عرقي واثني، وليس على اساس وطني عام .. ولهذا صنعت مواد الدستور ملزمة بتحقيق مصالح الاطراف المشاركة حصراً، وفرضها عبر وضعها وحمايتها دستورياً .. لهذا كانت مرسومة وفقاً لحصص ما سمي بـحقوق " المكونات " كما قيدت باشتراط الحصول على عدد معين من الاصوات لكي تحد من تصرف صاحب" حصة " رئيس الجمهورية { الكرد } تحديداً بمصير رئيس الوزراء الذي من "حصة " مذهب محدد، عرفاً وليس دستورياً، مع انه لابد ان يمر عبر حق التكليف الذي هو حصرياً لرئيس الجمهورية .. لذا وضع شرط الحصول على ثلثي اصوات البرلمان التي لا يتمكن هذا الطرف الصغير نسبياً ، بفرض شروطه، الا عبر ارادة الطرف " الاكبر."
ان اختيار رئيس الوزراء بات مضموناً لكونه من حصة الكتلة الاكثر عدداً، والجهة التي تمتلك هذه القدرة هي التي تتمكن من التحكم بمصير البلاد والعباد، وفقاً للتقسيم الطائفي والعرقي المقيت، الامر الذي فرض عدم اشتراطات صعبة توضع في طريقه. بيد ان تغير المزاج الشعبي العراقي العام، على اثر تفجرت عناقيد الغضب التي جسدته { انتفاضة تشرين } كرد فعل حتمي للفشل وللفساد وللدمار اعلن عن نفسه بعزوف واسع وصل الى نسبة %80 عن المشاركة بالعملية الانتخابية، التي ولدت هي الاخرى فشلاً ذريعاً لمعظم الكتل المتنفذة، حيث غدت تلك الاشترطات والتطبيقات الجزاف لمواد الدستور بحكم الخاوية.
من هنا جاء الرعب الذي تلبس الاوساط المتنفذة التي تجلجلت بخذلان الجمهور لها.. فراحت تصطنع وتفبرك تفسيرات ما انزلت من مشرّع قانوني منصف، على غرار ما جرى في جلسة يوم السبت الماض لانتخاب رئيس الجمهورية.. ان العتب والغضب والمسؤولية التاريخية تقع على عاتق الذين قاطعوا الجلسة البرلمانية، سواء حصل ذلك خوفاً او اغراءً او حتى قناعة غافل .. ان التاريخ سوف يكشف ذلك لا محال وانه لن يرحم..