متابعو عملية إنقاذ الطفل المغربي (ريان) في ضواحي مدينة شفشاون المغربية مؤخرا، شاهدوا كيف تكاتف الجميع من أجل إنقاذه لمدة خمسة أيام. النساء كن يعدن الطعام، والمتطوعون ينزلون الى البئر، والرجال يحفرون ليل نهار، والتي إنتهت بإخراجه من حفرة موازية بشكل أفقي، وأن تأخر الوقت على نجاته، ولكن يسجل لجميع المساهمين شرف المحاولة لإنقاذه.
أما شعبنا الذي أسقطه إحتراب الطغمة المتنفذة على مصالحها في بئر ما سمي ب (العملية السياسية)، لايجد من يتطوع لإنقاذه، فهذا الأمر ليس واردا في جدول أجندات من يتشدقون بأسمه، لكنه يصبح قمرا للمزايدة إذا بدأ موسم سوق النخاسة أو الإنتخابات، فيرغبون بحضوره، ويمدون أياديهم الناعمة كجلد الأفاعي لمصافحته، وحين يمضون بعد صلبه على زمن الوعود والخطابات الرنانة، لا يلتفتون إلى نداءات استغاثاته من أجل الخلاص.
وحالة شعبنا، تشبة حكاية الوالي الذي رأى الناس تشرب الماء من النهر مباشرة، فأستنكر الأمر، وطلب وضع أكثر من زير قرب ضفافه، لتصفيه المياه قبل الشرب، ولأجل الحفاظ على الأزوار، شكلت لجنة للإشراف عليها، ولجنة أخرى لمراقبة اللجنة المشرفة، ولجنة لرفع التقارير، ولجنة للتدقيق، ولجنة لمراقبة لجنة التدقيق، ولجنة لتنظيم بيع تذاكر الدخول حسب الأرقام، ولجنة لمراقبة الوارد، ولجنة تحكيم لفض النزاعات، وغيرها من اللجان، والنتيجة زادت طوابير الناس في الوقوف ساعات طويلة، وأشتد العطش بهم، وحرم الكثير من الوصول إلى الماء بعد أن سادت المحسوبية والمنسوبية، ومن أعترض زج به في المعتقلات أو إغتيل ، فمات الزرع والضرع وأخذ الناس يبحثون عن سبيل آخر كحفر الآبار لمقاومة العطش.
ولجان الأزوار التي تشبه أحزابنا المتنفذة، منهمكة، في امتلاك النهر وما عليه وما جاوره من عطاشى لا حول لهم ولا قوة. والوالي فرح ما دامت التقارير تبشره بما يسره من أخبار.
إن الشارع العراقي لا يعنيه صراع الضواري على السلطة، لأنها لا تأتيه بشيء جديد يفرحه ويسر خاطره، كما أن خطاباتهم ووعودهم تنكأ جراحه العميقة.
إن ردم هذا البئر المفتوح كفم حوت ضخم، لا يتحقق بدون إبعاد وإنهاء دور هذه الطغمة ودولتها العميقة وما تمثله من أجندات خارجية، فالعمل على عزلتها وحصارها من خلال التظاهرات وصولا إلى العصيان المدني هو الطريق إلى تحقيق الديمقراطية الحقيقية والعدالة الإجتماعية ووقف الفساد ونهب خيرات الوطن وتحقيق الخدمات والأمان للمواطن العراقي.
وما إنتفاضة تشرين وما قدمته من تضحيات كبيرة من شهداء وجرحى إلا مثالا حيا لروح التحدي.