يا لها من مصادفة غريبة، تلك هي ذكرى انقلاب شباط الأسود الذي خطط له وقاده ثلة من المنحرفين والخونة والمجرمين من بعثيين وعسكريين خانوا الأمانة والقسم الذي تعهدوا بأدائه نفاقا في الحفاظ على اسرار ثورة تموز المجيدة وانجازاتها وقادتها العسكريين، تلك  الثورة المباركة التي عبّدتها دماء  قوى وأحزاب المجتمع العراقي وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي المناضل، لكن المنحرفين خانوا الأمانة وتناسوا ذلك القسم، والغريب في المصادفة أن تحل الذكرى الحزينة لهذا العام 2022 في ذات اليوم الذي حدث فيه الزلزال المدمر الذي أطاح بثورة الجيش والشعب، ثورة تموز المباركة، انه يوم الجمعة الأسود، حيث كنا نحن أبناء جيل الفواجع، ما زلنا صغارا، كنت يومها في الصف الخامس الابتدائي، ورغم يفاعة اعمارنا ما زالت تفاصيل ذلك الحدث المدمر، راسخة بأذهاننا حيث ما ان سمع الناس الخبر الفاجع حتى خرجوا عن بكرة ابيهم وهم يصرخون وينوحون ويبكون بعويل يشق الصمت لتتحول شوارعنا نحن الساكنين خلف السدة في صرائف المجزرة (الميزرة) حيث كنا من اشد المقربين والمحبين لزعيمنا الخالد، وكان شباب تلك الصرائف، مدنيون وعسكريون من المقربين لحزب الشغيلة، الحزب الشيوعي العراقي، أعضاء ومناصرين، حين هبت جموع البشر صوب شوارع بغداد من الجهة الأخرى، حيث كنت انا الصبي الصغير، ضمن من تحرك مع الجموع الثائرة لنعبر السدة جهة ساحة النهضة، والهرج والمرج يتصاعد وسط صراخ الرجال والنساء، خوفا على حياة الزعيم المحبوب، حيث كان الهائجون متيقنين بأن الزعيم ورفاقه المخلصين سيقضون على تمرد الخونة، ولم نكن نعلم بأن الزعيم الوطني وثلة من رفاقه الأوفياء، سيستسلمون بهذه السهولة للمتمردين الجبناء، فكانت النكسة الكبرى والكارثة التي ما زالت عالقة في اذهاننا بعد مرور اكثر من ستة وخمسين عاما وحدث ما حدث من جرائم وقتل وتصفيات وانتهاك للأعراض، وكان نصيب الحزب الشيوعي من تلك الجرائم، الأعظم والأشد.

 لا نريد من كل العراقيين أن ينسوا أو يتناسوا ذلك اليوم الحزين والقاتم في تاريخ العراق وفي حياتهم التي حولها الانقلابيون إلى جحيم وخوف ورعب وموت توزع على جغرافية العراق وكان قدرا لعينا خيّم عليهم وأحال حياتهم إلى ظلام رهيب وموت كان يزحف إليهم في أية لحظة وحيث يكونون.
مجموعة من المجرمين القتلة والأوباش المعروفين بانحرافهم الأخلاقي وبأفعالهم القذرة ومنهم الفتية الذين تربوا على قاموس اقتصر عليهم وحدهم دون سواهم من البشر، حيث لا يمتهن الفاشيون غير شتى صنوف الإبادة بمفردات يفتخرون بتحقيقها كإنجاز عفلقي خسيس، منها القتل والسحل والاغتصاب ومحو الأقربين وبقر بطون الحوامل والتعليق من الأرجل والأثداء ودفن الموتى وهم  أحياء وإعدام المعارضين برصاص اقرب الناس إليهم وإطلاق الكلاب المسعورة لنهش لحم الأحياء واجبار الضحايا بتناول سم الفئران وهلم جرا، من توظيفات معجمية قد تفوق قاموس لسان العرب لابن منظور من أسماء وأفعال وصفات وحالات إعرابية ما انزل الله بها من قسوة.
ان الأجيال الراهنة من العراقيين ينبغي أن يوضعوا في صورة الرعب المخيف والممارسات الإجرامية التي عاشوا فصلها الأخير حيث كانت من القسوة الرهيبة على الأجيال التي سبقتهم، قبيل سقوط أفواج الأوباش ورميهم إلى مزبلة التاريخ، ولعمري أنها مهمة وطنية مقدسة أن تتناقل الأجيال تلك الصور المرعبة وان تكون لهم محطات سوداء لا تُنسى من تاريخ العراق الحديث في التخلص من حالات زرعها المجرمون في تفاصيل الوجود العراقي، وداسوا على كل القيم والمبادئ التي جُبل عليها العراقيون، بل تعدّى سلوكهم البهيمي حدود العراق إلى أصقاع الكون قاطبة، ولا أريد من أي عراقي أن يعتبر هذه التوصيفات للأهوال التي عشناها، مجرد تعظيم ومبالغات وحقد لا أساس له، سيما أولئك الذين لم يعيشوا تلك الأهوال، بل أن ما نذكره من جرائم يفوق بكثير ما ننقله لهم، تتعدى قدرة الانسان في تصورها لتاريخ التعذيب المرعب في العالم، وهذه الحالات غير غائبة عنهم وخصوصا وقد عاشوا نهاياتها بل أن بداياتها كانت الأشرس والأكثر دموية وهمجية. وهو غيض من فيض أفعال تلك المخلوقات البهيمية الخسيسة.

وليتابع المراقب لبرنامج شهادات بعض ازلام النظام المجرم واعترافات البعثي القاتل صلاح عمر العلي وحامد الجبوري وغيرهما في الفضائيات، ليقف على حجم الجرائم التي يعترفون بارتكابها من قبل رفاقهم  البعثيين ضد القوى الوطنية في العراق وفي مقدمتهم قادة وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي الميامين وما لاقوه من صيغ إبادة تقشعر لها الابدان والضمائر الحية، كونهم كانوا حينها يقودون فلول الحرس القومي المجرمة والضالة.
حينما سمع العراقيون خبر الانقلاب المشئوم ،خرجوا عن بكرة أبيهم للدفاع عن النظام الوطني الذي كان يقوده ابن الشعب البار والعراقي الأصيل المرحوم طيب الذكر الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان الجميع على استعداد تام لمقاومة الانقلابيين الخونة، والاستشهاد من اجل الحفاظ على السلطة الوطنية وزعيمهم المحبوب، ليقدموا أنفسهم مشاريع لقرابين من الشهداء للدفاع عن الوطن من الزحف البعثي الأصفر، لكنه أبى وكعادته من المواقف النبيلة التي بقيت لصيقة له حتى أخر لحظاته خوفا على أرواح الناس، لكن العراقيين بكل مشاربهم وأطيافهم وتنوعاتهم بلوا بلاء مستميتا، وقاوموا كل بطريقته، بشراسة رغم الفارق الهائل بين أدوات مواجهاتهم الباسلة وآلات الانقلابين العسكرية التي سحقت الناس المدافعين عن القيم العراقية الأصيلة وأبادتهم بدم بارد، ورغم ذلك، لم يتوقفوا أو يستسلموا وكان الفصيل الأكثر صمودا وقوة وإرادة، مقاومة الأكراد الفيليين في شارع الشيخ عمر وساحة النهضة ومنطقة الكولات، حين صنعوا سلاحا محليا وهو قنابل المولوتوف وهي عبارة عن قناني معبأة بالبنزين شديدة الانفجار وفي رأس القنينة فتيل هو عبارة عن خرق بالية وابلوا البلاء البطولي الذي أدهش المجرمين العفالقة الذين اضمروا لهم العداء، مما حدا بهم أن يحقدوا على هذه الشريحة من الأبطال اسوة ببقية العراقيين ولاقوا ثمن ذلك لاحقا على أيادي الشوفينيين القتلة، شتى صنوف العقاب من قتل وإبادة وتهجير واستحواذ على ممتلكاتهم وتصفية الشباب منهم وغيرها من أساليب جبانة لتصفية الحسابات القذرة أسوة بباقي الفصائل العراقية البطلة، وكنت أنا حينها ذلك اليافع شاهدا على فصل الدمار هذا، وبالمثل فان أهالي صرائف المجزرة، من الفقراء المسحوقين من ساكنة خلف السدة ،كانوا أبطالا حقيقيين ومنعوا مقاتلي البعث المجرم من الدخول إلى أحيائهم وبقي الرصاص يلعلع لأيام قبل أن يستبيح المجرمون الأحياء والشوارع والبيوت ويعيثوا بأجساد الناس الابطال من كل الأعمار، قتلا وسحلا وتنكيلا بطرق لا زالت عالقة في أذهاننا نحن الصبية، ونحن نسمع صراخ أمهاتنا وهوسات إخوتنا وآبائنا، ولا يمكن ولحقبات طويلة أن تنمحي تلك الصور البشعة والمقززة من مخيلتنا نحن جيل العذابات ممن تربى على صور الموت المجاني واختلفنا دونا عن خلق الله من البشر في أصقاع الدنيا بدل أن ننعم بحياة هانئة وطفولة بعيدة عن صور الممارسات المخيفة للبعثيين، لهذا السبب لا يمكن أن نثق أو نتقرب أو نمحو من ذاكرتنا ما فعله المجرمون الفاشست.
كان الفصيل الذي نال حصة الأسد من القمع البعثي البشع هم الشيوعيون العراقيون وبطرق بربرية تمت تصفية خيرة قادة العراق الوطنيين من قادة الحزب الشيوعي العراقي الخالدين، مثل سلام عادل ومحمد حسين أبو العيس وعبد الجبار وهبي والعشرات من خيرة أبناء العراق، وزحفت الإبادة إلى اصغر صديق للحزب حتى اليافعين وصغار الأطفال، ناهيكم عن انتهاك الأعراض والاغتصاب وما سواها من سلوكات بربرية بشعة تقشّعر لها الأبدان حين تذكرها.
على كل الفصائل السياسية العراقية التي كانت مادة للبطش البعثي، علمانية كانت أم دينية أم قومية، منذ انقلاب شباط الكارثي الأسود وما تبع ذلك من قسوة بعثية لا مثيل لها، عليهم جميعا إحياء تلك الذكرى بحزن شديد، وتذكر قوافل الشهداء،  لأنها مرحلة لا يمكن نسيانها او اغفالها، إحياءً لذكرى شهداء العراق الأشاوس وعلى رأسهم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم وبقية رفاقه الميامين كوصفي طاهر وماجد محمد أمين والمهداوي وعبد الكريم الجدة، والمئات من الشهداء مضاف إليهم قادة الحزب الشيوعي الأشاوس وكل من سقط على مذبح الحرية بأيدي البعث الملطخة بالدماء الزكية والأبرياء من العراقيين الذين ذهبوا ضحايا للدفاع عن الشرف والالتزام والوفاء للقيم النبيلة، وندعو كل الفعاليات المجتمعية العراقية إلى إحياء هذه الذكرى وفي عموم العراق بكثير من الخشوع والتقديس لتلك الأرواح الطاهرة.
المجد والخلود لكل أبناء العراق الميامين الذين عبّدوا طريق الانعتاق لنا جميعا وما عليه العراق الآن يعود الفضل أولا وأخيرا لهم وحدهم دون سواهم .

عند التذكر لهذه الاهوال التي حدثت في العراق، لنستثني كل الفاسدين من القادمين الجدد لقيادة العراق الذين اساءوا كثيرا لهذا التاريخ المجيد من التضحيات في سبيل تحقيق " وطن حر وشعب سعيد"، فكانت الصدمة التي ما زال فقراء العراق يعانون من تبعاتها وحجم التجاوزات التي حولت العراق الى واحة من الفساد والتردي الأخلاقي والقيمي.
المجد لزعيمنا المحبوب الوطني الفذ الشهيد عبد الكريم قاسم
المجد والخلود لزعماء وأعضاء الحزب الشيوعي الأباة
المجد لكل قطرة دم عراقية سالت على درب الحرية
والخزي والعار للبعث الفاشي وسدنته المجرمين أعداء الحرية والسلام.

عرض مقالات: