تمخضت الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة في العاشر من تشرين الثاني عن نتائج لم تعهدها سابقاتها، التي يمكن تسميتها بـ " البنوراما المعتمة " حيث غدت قدرات الاضواء الرقابية الساطعة غير كافية لمعرفة ما يعتمل في الدهاليز المظلمة من " فتلكات " ودسائس. مما دفع التفسيرات للنتائج الى مسارب متضاربة، ولكن بالرغم من ذلك، فالحقيقة لم يتمكن ان يخفيها غبار " انفجار بركان" الذين خسروا في السباق الانتخابي.

            يتوهم البعض الى حد بعيد حينما تصل قناعته الى أن الخاسرين يبحثون عن اصوات ناخبيهم التي يدّعون بانها زوّرت او غيّبت.. لانهم لا يجهلون العوامل الذاتية التي ادت الى فقدان فاعليتها. حيث ضيعها جهلهم المطبق في السياسة و بالمزاج الوطني الذي دار ظهره لهم، بهذا وليس بغيره غيّبت فرص ايصال مرشحيهم تحت قبة البرلمان ، انما بحثهم الحقيقي هو عن سلاح برلماني اي " نواب مسلحين" يتّقون بهم تشريعات قانونية قد تصدر وتطالهم مستقبلاً. لاسيما اذا ما كان تأثيرها بأثر رجعي لملاحقة الفساد والفاسدين. ويأتي ذلك اذا ما حصل اختلال توازن القوى البرلمانية لصالح قوى التغيير المنشود.

            كانت انتخابات عام 2018 قد وصمها الرأي العام الداخلي والخارجي بـ " المزورة " ولكن كان " التغليس " سيد موقف الطغم الحاكمة حينذاك، الذين ذاتهم اليوم يشككون بالانتخابات الحالية. علماً انها قد حظيت باعتراف الرأي العام الداخلي والخارجي كونها نزيهة ونظيفة، كما تمت الاشادة  بنصاعتها من قبل مجلس الامن الدولي.

            وعلى ما تقدم. فقد علا صوت عدالة الانتخابات وبفعله اغلقت كافت سبل الالتفاف والتحايل على النتائج الانتخابية. فلم يبق  { لشحاذين السلطة والجاه} سوى الذهاب الى { سوق عكاظ } لاعتماد  مقايضة جاهلية ، على قاعدة القبول والتسليم بالنتائج الانتخابية. مقابل منحهم عدداً من المقاعد البرلمانية، بل والاغرب من هذا هو المطلب الذي يطرحونه الى جانب هذه المقايضة والمتمثل بتجيمع وخلط كافة الاصوات الفائزة والخاسرة لذات الصنف المختلف، ومن ثم توضع لها قاعدة نسبية توزع بموجبها المقاعد البرلمانية بين الخليط الكتلوي غير المتجانس من حيث مستوى النجاح والخسارة او حتى بالتوجهات السياسية.!!!

            ان هذا الشكل المبتكر من المحاصصة الذي تكتنفه العشوائية السياسية الساذجة، سوف لن يؤدي لغير بأبقاء الامور على ما هي عليه. بمعنى تكريس الاسباب التي ادت الى انتفاضة تشرين، والتي لا تعني سوى ان العراق ذاهب الى مجهول لا افق له. ان مثل هذه المساومات مؤداها قطعاً اعدام اي نفس للتغيير، وكذلك ما يجعل الدستور والقوانين ضرباً من الخيال في ظل النظام الحالي. وهنالك لسان الحال يتساءل عن ما هو المتبقي اذن، الذي يدعو لاجراء انتخابات برلمانية اذا ما كانت نتائجها عرضة للتصرف خارج النصوص القانونية.. ؟؟

            خلاصة القول ان الامور تدعو الى التشاؤم المرير جداً. غير ان خيوط الامل تبقى مرهونة بيد شعبنا الباسل، الذي لا ينام على ضيم والمتجلي فعله في حراك الشارع وبخاصة ثوار الانتفاضة الذين يعيشون حالة الترقب الحذر. وهنا يصبح المرتجى منه.. الا  يتحول الى ترقب سلبي قاتل . وان يقدح كلما تم" اغتصاب" رغيف خبز وحرية المواطنين.

عرض مقالات: